Voice of Preaching the Gospel

vopg

شباط February 2005

الفخّاري هو المتسلط على الطين. هو صاحب القدرة والإمكانيات، والطين مادة بين يديه. هو الله القادر على كل شيء، وما يفعله بنا ونحسبه معجزة، ليس سوى أمر عادي وطبيعي بالنسبة إليه.

 

أما بالنسبة إلى موقف الطين، فهو التسليم والخضوع بدل العناد. والكتاب المقدس زاخر بهذا التعليم، لكننا لا نتعلّم هذا الأمر بالفكر بل بالممارسة. فإننا لا نصل إلى حالة الخضوع والتسليم الكاملين بمجرد تصميم أو قرار، الذي هو بداية الطريق، بل لا بد من عملية ترويض وتدريب. لأن طبيعتنا الساقطة ما زالت تحتفظ بنزعة إلى التمرد، وتأبى الخضوع، هذه الطبيعة التي تحب أن تُظهر ذاتها وتعلن عن وجودها وتحقق رغائبها وتنفّذ آراءها.

أحياناً كثيرة ننسى أننا طين، لا شكل لنا ولا قيمة، فنتفاخر، ونستخدم الكلمة "أنا" باعتزاز، مع العلم أننا نحن، وما نحن عليه، هو بفضل يد الفخّاري الماهر التي عملت فينا، وصاغت منا وعاءً معيناً. فالطين بحد ذاته رخيص ولا ثمن له، إنما قيمته بتشكيله، وبالتعب الذي تعبه فيه الفخّاري. وهذا يقودنا إلى الإقرار من جديد بضعفنا، وبعجزنا عن تغيير نفوسنا أو تشكيلها، الأمر الذي ينبغي أن يُفضي بنا إلى التسليم الكامل والواعي. "أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية" أي عاقلة وواعية (رومية 1:12).

لا نستسلم ثم نستكين وننام، بل نستسلم ونتفاعل.. نضع نفوسنا بشكل واعٍ بين يدي إلهنا القدير، وشعارنا: أنا عاجز وأنت قادر؛ أنا ضعيف وأنت قوي؛ أنا محدود الفهم والإدراك وأنت الإله الحكيم والعالِم بكل شيء. ويبقى هذا كلاماً نظرياً ما لم يبدأ إلهنا بالعمل فينا. ويتقلّب الطين بين يدي الفخّاري، وتكثر التساؤلات: لماذا؟ وإلى أين؟ وماذا ستكون النتيجة؟ وهل سيصوغ منّي وعاءً؟ وأيّ وعاء؟

تساؤلات ترتسم، وتبقى الحاجة إلى أن نثق بحكمة الله، وبصلاحه، وبمراحمه. "هو صنعنا وله نحن شعبه وغنم مرعاه" (مزمور 3:100). فالطين ليس بيد أجير بل بيد الفخّاري، صاحب الطين. نثق به وبفرح، علماً أن لا خيار آخر لدينا. لذلك نحن نستسلم بثقة، وبفرح، وبتوقّع، وبإيمان، بأن نرى هذا الطين الذي لا قيمة له ولا شكل قد يصبح شيئاً ثميناً في يد الفخّاري.

بتسليمنا نستطيع أن نشارك الله في العمل. فالتسليم يفسح في المجال أمام الله أن يتدخّل في حياتنا، ويُبرز ما يجب أن يظهر فينا ومن خلالنا. نسمح له أن يتمّم مقاصده فينا حسبما يرتئي، وألاّ يكون هذا مجرد كلام؟ وإذا ارتأى ما لم يكن في الحسبان، فماذا يكون موقفنا؟ هل نسلّم رقبتنا، فيجعل ضغطاً على متوننا، ويركّب أناساً على رؤوسنا، ويدخلنا في النار والماء (مزمور 11:66و12)؟ هل نرضى أن يعمل معنا كما عمل مع نعمي التي عادت بعد غياب عشر سنوات لتقول: "لا تدْعوني نعمي بل ادعوني مرَّة لأن القدير قد أمرّني جداً" (راعوث 20:1)؟ أخذ الزوج، وأخذ الولد الأول والثاني، وعرفة كنتها تركتها، ولم يبقَ لها سوى كنتها راعوث. ودخلت راعوث في السلالة المقدسة، وجاء يسوع من نسلها. هذه هي نتيجة التسليم ليد القدير.

نحتاج إلى تسليم بثقة وبفرح، لتعمل اليد الإلهية حسبما ترتئي. فإذا شاء أن يشكّلنا من خلال شوكة في الجسد، فليكن. يد النعمة "تصنع عملاً على الدولاب"، وليس "الدهر دولاب" كما يقول الناس. عمل الله دولاب ومقاصد الله دولاب، وتشكيل الله لنا دولاب. قد يستخدم الرب الألم، أو الشوكة، أو علة دائمة. وقد نتضايق ونصلّي ونتضرع إلى الرب من أجلها ويأتي الجواب: "تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تُكمل" (2كورنثوس 9:12). نعمة الرب تعمل من خلال المرض أو الضعف لوقت معيَّن، أو مِن خلال ضائقة مالية أو اجتماعية، وقد يكون من خلال فشل معيّن. وهل الفشل بركة؟ الرب يسمح لنا أحياناً أن نفشل من نفوسنا، ومن إمكانياتنا، ومن حكمتنا، كما حصل لموسى قديماً، فنسلم التسليم الكامل للرب.

قد يعمل الرب من خلال الأحزان أو فقدان الممتلكات أو فقدان عزيز. فنرى من خلال هذه كلِّها يدَ الله تُجري عملية الدلك. يدلِّك الطين بين يديه، ويزيل منه القش والحصى، حتى يصير ناعم الملمس، خاضعاً ومطواعاً، لا يعود للاعتراض والاحتجاج والتساؤل، لا جهراً ولا سراً. أحياناً نعترض بيننا وبين أنفسنا، ونتذمّر ونستغرب البلوى المحرقة، كما تذمَّر يعقوب قديماً: "أعدمتموني الأولاد. يوسف مفقود، وشمعون مفقود، وبنيامين تأخذونه. صار كل هذا عليَّ" (تكوين 36:42). والرب يحوّل كل ما نراه مصيبة إلى خير وبركة. فيوسف حي يُرزق ومتسلط على كل أرض مصر، وشمعون محجوز لكي يؤتى ببنيامين إلى أخيه يوسف، وبنيامين ينال الإكرام والمقام الأول عند يوسف. والنتيجة كانت خروج يعقوب وأهل بيته من أرض الجوع إلى أرض الشبع.

فالتسليم يعني أن نثق بمحبة الله وصلاحه، فلا نتذمر أو نقدم الملاحظات والتمنيات، ونحاول أن نلفت انتباه الرب إلى أمور لم ينتبه لها، وندّعي بأننا نقدّم ملاحظات بسيطة من دون اعتراض على حكمه تعالى. فنقترح عليه أوضاعاً معيّنه، وأشكالاً معينة، ووسائل معّينة، أو خدمات معّينة. والواقع أن إلهنا يعرف أفكارنا وما يدور في خلدنا وما يشغل بالنا. لقد رسمت أم ابني زبدي الخطة، وتقدمت بها إلى يسوع وقالت: "قل أن يجلس ابناي هذان واحد عن يمينك والآخر عن اليسار في ملكوتك. فأجاب يسوع وقال لستما تعلمان ما تطلبان" (متى 21:20و22). أي إنّ هذه التمنيات والملاحظات في غير محلها، فهو يعرف جبلتنا، ويعرف أي وعاء يمكن أن تكون هذه الجبلة.

نحن نضع أنظارنا على خدمات معيّنة وعلى مستويات معيّنة وعلى مستقبل معيَّن ونصلّي لأجلها ونقدم ملاحظاتنا للرب. نحن نظن أن اقتراحاتنا لها غايات شريفة، وهي تصبّ في خانة التعاون مع الله. وهذه المشاركة في الأفكار إنما القصد منها ألاّ يفسد الوعاء بل أن يكون صحيحاً وجميلاً. وأحياناً يبقى لله الحق في أن يقول لنا: ما تتمنونه أنتم بعيد عن مخططاتي وأفكاري، "لأن أفكاري ليست أفكاركم ولا طرقكم طرقي يقول الرب" (إشعياء 8:55). لندع إلهنا يعمل بحسب أفكاره، ويستخدم طريقته الخاصة بالعمل.

وبحسب ما لاحظ إرميا، فقد حصل ما لم يكن بالحسبان. فقد فَسَد الوعاء، أو ظهر فسادُ الطين. هل هذا إظهار لطبيعتنا الساقطة؟ هل هنالك مداخلات بشرية في الموضوع؟ هل التسليم لم يكن كاملاً؟ هل حصل تعاون أكثر من اللازم؟ المهم أن الوعاء فسد، وضاعت معه كل المشورات والتمنيات والآمال. وهذه الناحية مهمة جداً لأنها فرصة لإظهار الضعف والفشل، وتأتي الفرصة الأخرى.

لم يُرفض بطرس من الخدمة مع أنه أنكر المسيح، لكنه أعطي فرصة أخرى. ويونان لم يخسر الفرصة مع أنه هرب. والتينة أعطيت فرصة ثلاث سنين أخرى.

ثمة فرصة أخرى، لكن في هذه المرة سيكون التسليم بشكل طوعي وكامل ونهائي وخال من أية ملاحظات أو تمنيات. ماذا تعلّمت يا إرميا؟ معلوماتي تقول: إنك أنت لا تفضل لكن نحن نفشل. "فعاد وعمله وعاء آخر كما حسن في عيني الفخّاري" (إرميا 4:18) الرب لا يفشل من أي واحد منا، ولا يفشل من أي وضع نكون فيه. "قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخّنة لا يطفئ. حتى يخرج الحق إلى النصرة" (متى 20:12) إلهنا إله النصرة والغلبة ولا يعرف للفشل طريقاً. "عاد وعمله وعاءً آخر". لا نعرف إن كان هذا الوعاء أحسن من الوعاء الذي فسد أو أقل رتبة منه، لكننا نعرف أنه عمله "كما حسن في عيني الفخّاري". "هو الرب. ما يحسن في عينَيه يعمل"، (1صموئيل 18:3). ويعمل دائماً لخيرنا، لأنه إله عظيم وقدير ومحب وحكيم وصالح.

علينا أن نستسلم بين يدَي الفخّاري، ولا نسمح لأية ملاحظة أو تشكٍّ أو تذمّر أن يبعدنا عنه. الفشل دليل ابتعادنا عن خط الإيمان والتمسك بالرب. فلا نكن كالابن الضال الذي اختار لنفسه وابتعد. لنقم ونرجع فالمشكلة هي في العناد وعدم الطاعة. فلا ننظر إلى فساد طبيعتنا وإلى فشلنا وإلى ما وصلنا إليه أيام ابتعادنا وعدم تسليمنا، بل لننظر إلى الرب الذي يقف على الدولاب الذي يدور ليغيِّر ويبدِّل.

المجموعة: شباط February 2005

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

303 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10554899