Voice of Preaching the Gospel

vopg

شباط (فبراير) 2006

تعتبر حاسة البصر أهم الحواس البشرية في تسيير حياة الأفراد، واستكشاف طرائق العيش، كما أنها الأهم في تكوين الأحكام على ما حولنا والتحكم في ظروفها وانعكاساتها من خلال "نظرة". وكم من "نظرة" غيّرت وجه التاريخ أو قلبت مفاهيم هامة في هذا الوجود!

 

والكتاب المقدس حافل بأخبار النظرات التي كان لها الأثر الفعّال في عصرها. نذكر منها البعض وغيرها كثير.

نظرة حواء - كانت نظرتها سبباً في دخول الخطية إلى جنة عدن وتوريثها لكل النسل البشري. "فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل، وأنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر. فأخذت من ثمرها وأكلت، وأعطت رجلها أيضاً معها فأكل" (تكوين 6:3).

ونظرة أخرى كانت نتيجتها أن حَكَمَ الله بطوفان الماء الغامر في أيام نوح على أهل ذلك الزمان ولم ينجُ إلا ثمانية أشخاص.

"وحدث لما ابتدأ الناس يكثرون على الأرض، ووُلد لهم بنات، أن أبناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسنات. فاتّخذوا لأنفسهم نساء من كل ما اختاروا" (تكوين 1:6-2).

ونقرأ أيضاً عن لوط الذي نظر فأحبّ الأرض ونقل خيامه إلى سدوم؛ كانت النتيجة أنه خرج منها خاوي الوفاض بمساعدة الملاكين بعد أن خسر زوجته وعدداً من بناته. "فرفع لوط عينيه ورأى كل دائرة الأردن أن جميعها سقيٌ، قبلما أخرب الرب سدوم وعمورة، كجنة الرب كأرض مصر" (تكوين 10:13).

ولا ننسى نظرة داود الملك الذي اختير من الله ليملك على الشعب القديم. وإذ كان مسترخياً في بيته، "وكان في وقت المساء أن داود قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك، فرأى من على السطح امرأة تستحم، وكانت المرأة جميلة المنظر جداً" (2 صموئيل 2:11)، فاشتهاها وزنى بها ثم تسبّب في قتل زوجها ليخفي جريمته، فجلب ذلك على بيته العار والويلات.

تلك النظرات البشرية الطائشة ومثلها كثير غيرت مجرى حياة أصحابها لأنها نظرات قاصرة لم تستطع أن تخترق الحجب أو أن تستكشف مقدار الخطورة.

ولكننا نقرأ في أماكن كثيرة من العهد الجديد عن نظرة يسوع الفاحصة التي سبرت أعماق الأمور وأظهرت مكنوناتها وسرائرها فجعلت الحقائق جلية واضحة وأخرجت القرار سديداً مصيباً ومحكماً.

لقد استطاعت حواء أن ترى جمال الشجرة ولكنها لم تستطع أن ترى صورة الموت التي دمغت ثمراتها.. واستطاع بنو الله أن يروا جمال بنات الناس ولكنهم لم يستطيعوا أن يروا تلك الصورة المعبَّر عنها في هذه الكلمات: "في ذلك اليوم انفجرت كل ينابيع الغمر العظيم، وانفتحت طاقات السماء. وكان المطر على الأرض أربعين نهاراً وأربعين ليلة.. فمحا الله كل قائم كان على وجه الأرض... وتبقى نوح والذين معه في الفلك فقط".

واستطاع لوط أن يُفتَن بجمال أرض سدوم وغناها، ولكنه لم يستطع أن يرى ألسنة اللهب والنار والكبريت التي أمطر بها الرب على ذلك المكان.

وداود الذي أُغرم ببثشبع، لم يستطع في حينه أن يرى العاقبة التي أنبأه بها ناثان النبي بقوله: "أنت هو الرجل.. لماذا احتقرت كلام الرب؟... لا يفارق السيف بيتك إلى الأبد".

أما نظرة الرب يسوع فقد كانت في كمالها وعمقها حاسمة دقيقة، لأنه ابن الله القدوس الذي رأى بقوة لاهوته أعماق الأمور وعالجها بكامل حكمته السماوية.

نظرة يسوع إلى العطاء

"وتطلّع فرأى الأغنياء يلقون قرابينهم في الخزانة، ورأى أيضاً أرملة مسكينة ألقت هناك فلسين. فقال: بالحق أقول لكم إن هذه الأرملة الفقيرة ألقت أكثر من الجميع" (لوقا 1:21-3). لقد نظر يسوع كما نظر جميع الحاضرين في الهيكل، وقد رأى الجميع نفس المشهد، ولكن حُكْم يسوع كان مختلفاً جداً. لقد حكم الآخرون بالتقدير والاعتبار لعطايا الأغنياء وبالاستهانة والازدراء لعطية الأرملة المسكينة. أما يسوع فقد رأى في ذينك الفلسين كنزاً يفوق كل تلك العطايا والهبات التي قدمها الأغنياء من ذهبهم وفضتهم ومجوهراتهم لأنه عرف أن هؤلاء أعطوا من فضلتهم وعرف بالأحرى أعماق قلب تلك العطية، وأنها أعطت كل ما تملك. فقد عزمت على الاتكال الكامل على إلهها الذي يشبع طيور السماء طعاماً، ويكسو زنابق الحقل حللاً – هو لم ينظر إلى نوع العطاء وكميته بل إلى القلب المعطي وتوجهاته.

نظرة يسوع إلى المظاهر الخادعة

"وإذ كان قومٌ يقولون عن الهيكل أنه مزين بحجارة حسنة وتحف قال: هذه التي ترونها، ستأتي أيام لا يُترك فيها حجر على حجر لا يُنقض" (لوقا 5:21-6). لقد نظر هؤلاء إلى الحجارة الحسنة والأبراج العالية، وذُهلوا لمنظر الخشب المحفور الموشّى بالذهب، وفتنتهم التحف الغالية الثمن، وأحسوا بالخشوع لمنظر القدس وقدس الأقداس، والأواني الفاخرة كالمنارة الذهبية، ومذبح البخور ومائدة خبز الوجوه. أما يسوع فقد نظر بعين لاهوته ورأى آخرة هذه الأشياء وزمن انقضائها بعد أن بطلت وظيفتها بمجيئه وعمله الفدائي على الصليب لخلاص العالم. لقد نظر إلى المخطط الإلهي الكامل التكوين فأراهم صورةً أمجد مع بساطتها.. صورة الكنيسة – ليس الحجرية بل الحية - التي هي جماعة المؤمنين الحقيقيين.. التي كان الهيكل بكل أنظمته رمزاً لها "وأبواب الجحيم لن تقوى عليها".

نظرة يسوع إلى الخاطئ

"وقدّم إليه الكتبة والفريسيون امرأة أُمسكت في زناً. ولما أقاموها في الوسط قالوا له: يا معلم، هذه المرأة أُمسكت وهي تزني في ذات الفعل، وموسى في الناموس أوصانا أن مثل هذه تُرجم. فماذا تقول أنت؟" (يوحنا 2:8-5).

لقد كانت نظرتهم إلى تلك المرأة نظرة التعالي والاحتقار، وكانت أصابع الاتهام موجهة إليها حيث ظهرت خطيتها للعيان. ووقف الكتبة والفريسيون كالذين يدافعون عن الحق الإلهي ويحافظون على البر والصلاح.. فأصدروا حكم الدينونة بالرجم على هذه التي كانت في زعمهم قد كسرت الشريعة وحدها...! لكن يسوع، الذي يرى أعماق القلوب، نظر إليها ولم يدِنْها. وبعد أن رسم بإصبعه شيئاً على الأرض، انتصب وقال لهم: "من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر... وأما هم فلما سمعوا وكانت ضمائرهم تبكتهم، خرجوا واحداً فواحداً، مبتدئين من الشيوخ إلى الآخرين"... ثم قال للمرأة: "أين هم أولئك المشتكون عليك؟ أما دانك أحد؟ فقالت: لا أحد يا سيد. فقال لها يسوع: ولا أنا أدينك. اذهبي ولا تخطئي أيضاً" (يوحنا 6:8-11). لقد رأى الرب قلوب بني البشر جميعاً وعرف ما فيها وقرر أن "الكل قد زاغوا معاً، فسدوا. ليس من يعمل صلاحاً، ليس ولا واحد" (مزمور 3:14).

لذلك تلطّف بالخطاة وتعامل مع العشارين والمذنبين وقال: "لم آتِ لأدعو أبراراً بل خطاة إلى التوبة".

ونهى عن دينونة الآخرين. فنحن كلنا خطاة بحاجة إلى كفارة دم المسيح لكي نخلص من خطايانا بالإيمان والتوبة. فلا يمكننا أن نخفي آثامنا عن عينيه، ولكن "إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل، حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم" (ا يوحنا 9:1).

وختاماً، فكم من الصور والخفايا ستبدو على حقيقتها حينما نقف جميعاً أمام الرب ليعطي كل واحد حساباً عما فعله بالجسد، خيراً كان أم شراً؟ ومن يحمينا من دينونة ذلك اليوم الرهيب؟

فلا تنخدع، قارئي الكريم، بالمظاهر الخارجية، ولا ينفعنا أن نظهر أمام الناس بصورة التقوى لأن نظرة الناس سوف لا تغيّر من الحقيقة شيئاً. ولكن النظرة الفاحصة بعمق، والحكم الصريح المفحم، هما من اختصاص الرب وحده، لأنه يعرف أعماق القلوب، ولا يخفى عليه أمر، "يعرف ما في الظلمة وعنده يسكن النور".

المجموعة: 200602

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

208 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10553282