Voice of Preaching the Gospel

vopg

تشرين الأول (أكتوبر) 2006

التقيتُ به لأول مرة عشيةَ فرحه في بيروت. كان عندها شاباً يافعاً يقطر حيوية ونشاطاً. هو الوحيد لأخواتٍ ثمان حضر بعضهنَّ من بلاد متعددة لحضور حفل زفافه الذي طالما انتظرنه مع الوالدة بفارغ الصبر. في ذلك المساء أذكر كيف كان مبتهجاً وسط عائلته وأقربائه ومحبيه. كنت أنا وزوجي من بين المدعوين لقضاء السهرة مع العائلة لكونه ابن عم زوجي. قال سامي في تلك الليلة: حبَّذا لو أنني أستطيع أن أذهب لرؤية عروستي الجميلة لينا. فأنا لا أقدر على الانتظار إلى الغد. وضحك الجميع من طلبه هذا إذ أن التقاليد والأعراف المتبعة آنذاك كانت لا تسمح للعريس برؤية عروسه في ليلة العرس التي هي حفل وداع العزوبية. وأذكره اليوم وكأنه ما زال أمامي، حين وقف بقامته الطويلة وراح يمشي في الغرفة ذهاباً وإياباً ويقول: لا أستطيع الانتظار. أريد رؤية عروستي الجميلة لينا. ما رأيكم أن أذهب إليها سراً بمفردي!

 

هذا ما أذكره عن سامي ابن عم زوجي الذي فرَّقتنا فيما بعد ظروف الحرب عنه وعن العائلات العديدة من الأقرباء الحميمين. والآن وبعد انقضاء أكثر من خمسٍ وثلاثين سنة عن ذلك الحدث البهيج وصل إلينا من هيوستن تكساس، خبرٌ أليم عن انتقاله من هذا العالم الفاني إلى العالم الباقي. فحزنت وزوجي جداً عليه. لكن حين وقع نظري على شهادته التي كتبها بنفسه وقُرِئتْ عنه في حفلِ انتقاله من عالم الشقاء إلى عالم البقاء، أحسست بحافزٍ قوي لكي أشارك بها القراء على صفحات هذه المجلة لأن في هذه الشهادة ما ينيرُ، ويعلِّم، ويفرِّح، ويعزِّي، على الرغم من رحلة المرض والألم التي عانى منها سامي. بدأ سامي قصة حياته التي دوَّنها بكل جرأةٍ وأمانة وإخلاص فقال مستهلاً كلامه بهذه الآية:

"إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله" (رومية 23:3). هذه إحدى الآيات المفضلة لديّ في الكتاب المقدس لأنَّها تشرح ماهيَّة المسيحية. كانت الكبرياء خطيئتي. وظننتُ أنني أستطيع أن أحيا حياتي معتمداً على نفسي وبمعزل عن الله. ليس لأنني وزوجتي لم نكن مسيحيين مؤمنين. كلا، بل هذا بالضبط ما اعتقدناه. لكنَّنا أردنا أن تكون أيدي الرب نظيفة لا غبار عليها. فالعمل والرب قطبان متنافران لا يلتقيان.

هاجرتُ وزوجتي إلى الولايات المتحدة الأمريكية بدافع أغنيتين محببتين على قلبينا: واحدة لـ غلوريا غينور، "سوف أعيش"، والثانية لـ فرانك سيناترا، "عشت على طريقتي" [عمِلْتُها بطريقتي]. وكانت بالحق رحلة. فلقد ارتقيت من خلالها إلى درجات عليا. لكنَّ التحدي كان  أكبر من أن أواجهه بنفسي في بيئة جديدة وكل ما فيها جديد. نعم، حملنا ولدينا الصغيرين منى ووديع، وثروتنا الصغيرة وأتينا إلى "أرض الموعد" الجديدة. وكان الرب معنا لكنني استطعت أن أبقيهِ محصوراً في زاوية. أردت أن أعيش حياتي على طريقتي أنا. وعندما شعرنا بالوحدة ومن دون أصدقاء أمريكيين أرسل لنا الرب رجلاً عرَّفنا على نادٍ في المنطقة التي كنا نعيش فيها. فصار لنا الكثير من الأصدقاء الذين نعمنا بدفء محبتهم. وغدتِ الحياةُ حلوةً وجميلة آنذاك.

كانت هيوستن تكساس، المدينة المزدهرة في العالم. وكان بيع وشراء البيوت على رأس هذا الازدهار الاقتصادي، حتى إنه بَدا كالتقدم التكنولوجي في نهاية التسعينات. وعليه لم يكن المرء لَيُقدمَ على خطأ إذا ما انخرط بهذه التجارة الرابحة. لهذا خصصتُ معظم ما لديَّ أنا وأصدقائي من مال في هذا المجال. وأثمرتْ جهودُنا وأفلحتْ، ونجحنا في عملنا وربحنا الكثير. بقينا هكذا حتى منتصف الثمانينات حين حدث تراجع ملحوظ بسبب هبوط أسعار النفط إلى أقل من عشرة دولارات للبرميل الواحد. وأضحت أبراج مكاتب مدينة هيوستن خالية ومتروكة. وصار كلُّ ما لدينا لا يساوي شيئاً. ونالنا الخراب والدمار.

قال الرب يسوع: "جربني، نيري خفيف.“ قلت: شكراً لك يا رب. لكنني أريد أن أخلص من هذا المأزق على طريقتي أنا. ولسوفَ أحرص على الاستمرار والبقاء. كنت أحب التحدي. فلقد كنت أرى نفسي دائما كالمتحفِّز لنوال الجائزة بسبب الشجاعة التي تحليت بها والتي دفعتني من جديد على الوقوف في كل مرة خرتُ فيها أو سقطت.

مرَّ على  الركود الاقتصادي سنتان ولم أقدر على النهوض بعد. وعليه فلقد أرسل الرب لي عوناً مرة أخرى وأطلق أسري.  فوجدت نفسي هذه المرة أعمل في مقاولات البناء الذي لم أكن أفقه منه شيئاً. وتعلَّمت هذا العمل الشاق وصمدتُ مرة أخرى. وكانت فورةُ الإنتاج هذا مجدِّدةً للنشاط. وأضحت الحياة جميلة من جديد. أما الرب فبقيَ على هامش حياتي وعادت كبريائي للظهور. وانطبقت الآية السابعة عشرة من الفصل الثامن من سفر التثنية علي: "لئلا تقول في قلبك قوتي وقدرة يدي اصطنعت لي هذه الثروة."  نعم،  الشعور بالنجاح والتحصيل فائق. كنتُ بالحق عظيماً. فمن قلب الاكتئاب الاقتصادي الذي حصل لولاية تكساس، استطعت أن أصطنع ثروة وأستعيد ثمار يدي.

لكن ما أن سارعت السنون في الدوران وفي منتصف التسعينات حتى راحت الكارثة تحوم فوق رأسي ووجدت نفسي مقدِماً على الإفلاس. فلقد صرفت المال الكثير على أحد المشاريع العمرانية وعلمتُ عندها أن العجزَ قادمٌ لا محالة. كنت عندها في السابعة والخمسين. ارتفع ضغط دمي وكذلك معدل الكولسترول عندي. وشعرت بانهزامِ صحتي وزوالِ شبابي. وكان كلُّ ما لدينا من أموال مشغَّلاً في مشاريع وأعمال لم تعدْ تساوي شيئا.ً طغى عليَّ الخوف ولأول مرة. وعندها فقط، خررت وسجدت على ركبتي وتضرَّعت إلى الرب لينشلَني ممَّا أنا فيه. قلت بكل اتضاع: لا لم أعد أستطيع أن أسيّر حياتي على طريقتي أنا. أيها الرب يسوع، أنا أُخضِعُ لك حياتي وكياني. فساعدني أرجوك. وأسرعَ الرب إلى نجدتي. وما هي إلا شهور حتى سافرتُ وزوجتي إلى بلد عربي لأعملَ هناك. ليس هذا فحسب بل منحني الربُ قدرةً على بيع عملي وتصريفه من دون أن أعلن إفلاسي. كان عملي في ذلك البلد ليس بالسهل. وكان شركائي في العمل من غير المسيحيين. لكنَّنا استطعنا أن نصمد. والحق يقال، وبمعونة الرب هذه المرة، استطعنا أنا وزوجتي أن ننجح ونصل. ارتبطنا بصداقات، وكان لدينا الكثير من النشاطات المتعددة. تقاعدنا بعدها عن العمل في نهاية العام 1999، واضعين نصب أعيننا كلمات الآية: بل اذكر الرب إلهك أنه هو الذي يعطيك قوة لاصطناع الثروة لكي يفي بعهده الذي أقسم لآبائك كما في هذا اليوم. (تثنية 8:18) وباركنا الرب بركةً تلو الأخرى.

تزوجت ابنتنا منى من شاب ظريف. وتخرج ابننا وديع من الجامعة ووجد عملاً جيداً. ورجعنا إلى بيتنا في هيوستن وإلى منطقتنا السابقة المحببة على قلبينا وكذلك إلى أصحابنا. وحياتنا غدت زاهية لا ينقصنا شيء. وحطَّ هذا اللاجئ من الأراضي المقدسة في رحاب "أرض الموعد" الجديدة حين أدرك حلمه الأمريكي وحقَّقه على أرض أمريكا.

وعندما أُصبت بمرضِ السرطان في العام 2001، لم أرتعبْ كثيراً. لأنني كنتُ بين يدي الإله القدير وكنت متأكداً أنه سوف يهتم بي. صارعت المرض بكل ما أوتيتُ من قوة. وهناك في مستشفى أندرسون للسرطان عوملتُ معاملةً طيبة للغاية. فقد عملوا كلَّ ما بوسعهم من أجل معالجتي. وكان الكثير من الأصحاب والأهل حول العالم يصلُّون من أجلي. وفي عام 2004 قيل لي بأنني سوف أعيش ستة أشهر فقط. وها إنني الآن وبعد مضي سنتين أخريين ما زلت على قيد الحياة في ربيع 2006. والآن حين أتطلَّع إلى حياتي تتراءى لي بأنها على ما يُرام على الرغم من مرضي الأليم. لقد باركنا الرب أنا وزوجتي بكل ما في الكلمة من معنى. ولا يسعني إلا أن أشكر الرب في كل يوم.

وتراني أجد نفسي أردد مع بولس الرسول: "قد جاهدت الجهاد الحسن أكملت السعي حفظت الإيمان. وأخيراً قد وُضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل وليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضاً."

والآن، بما أن الانطلاق قد أصبح أمراً حتمياً. أنظرُ بعجب وذهول. ماذا سيكونُ هناك؟ لكنَّني متيقنٌ أن لي حياةً أبدية. " وهذه هي الشهادة أن الله أعطانا حياة أبدية وهذه الحياة هي في ابنه. من له الابن فله الحياة ومن ليس له ابن الله فليست له الحياة. كتبت هذا إليكم أنتم المؤمنين باسم ابن الله لكي تعلموا أن لكم حياة أبدية."

وعليه فأنا الآن ذاهب في رحلة تقزِّم كلَّ سابقاتها. رحلة لا توازيها أخرى. كلُّها فرح مستديم، وسلام لا ينقطع، ومحبة. فكيف لي أن أتذمر؟ لا بل أنَّى لي أن أقاوم؟  أنا ذاهب إلى بيتي الأبدي لأكون مع الرب ومخلصي. أنا ذاهب لألتقي مع صاحبي من الجليل، (يسوع). "

سامي وديع حبيبي

*   *   *   *   *

نعم يا قارئي، كلُّ رحلات الحياة لا توازيها، ولا تساويها، ولا تقارَن بها. رحلة إلى حضرة السيد والفادي يسوع المسيح. فما أحلى هذا الرجاء الحي في قلب سامي وفي قلب كل مؤمن نال غفران الله لخطاياه! لم يشهد سامي عن اختباره هذا فحسب بل قرأت وفي صفحات التعازي على البريد الالكتروني أيضاً كلمات أخرى عبَّر بها زوج ابنته منى عن تأثير حياة سامي عليه. وكيف أنه قد أصبح إنساناً أفضل بسببه.

نعم، لا يقدر أحد أن يستمر في العيش من دون المخلص والفادي يسوع المسيح. إنه محورُ الحياة ومركزها ومعناها. فهل ما زلت تتغنَّى بقدرتك يا أخي القارئ وتقول بأنَّك تقدر أن تعيش من دونه؟ وأنت بغنىً عنه؟

لا تتركْه على هامش حياتك لأنه هو الوحيد الذي يعطي معنى لوجودك وقيمة لنفسك، ورجاء أبدياً لروحك. فهل تعرَّفت إليه؟

المجموعة: تشرين الأول October 2006

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

361 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10569414