Voice of Preaching the Gospel

vopg

أيلول (سبتمبر) 2006

يطلعنا إنجيل لوقا الأصحاح الخامس على معجزة مذهلة لها طبيعة فريدة، يقول: وفي أحد الأيام كان يعلّم (والحديث هنا عن المسيح) وكان الفريسيون ومعلّموا الناموس جالسين وهم قد أتوا من كل قرية من الجليل واليهودية وأورشليم. وإذا برجال يحملون على فراش إنساناً مفلوجاً وكانوا يطلبون أن يدخلوا به ويضعوه أمامه. ولما لم يجدوا من أين يدخلون به لسبب الجمع صعدوا على السطح ودلّوه مع الفراش من بين الآجرّ إلى الوسط قدّام يسوع.

 

فلما رأى إيمانهم قال له: أيها الإنسان مغفورة لك خطاياك. فابتدأ الكتبة والفريسيون يفكرون قائلين: من هذا الذي يتكلم بتجاديف؟ من يقدر أن يغفر خطايا إلا الله وحده؟ فشعر يسوع بأفكارهم وأجاب وقال لهم: ماذا تفكرون في قلوبكم؟ أيما أيسر أن يُقال مغفورة لك خطاياك أم أن يُقال قم وامشِ؟ ولكن لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا قال للمفلوج: لك أقول قم واحمل فراشك واذهب إلى بيتك. ففي الحال قام أمامهم، وحمل ما كان مضطجعاً عليه ومضى إلى بيته وهو يمجّد الله. فأخذت الجميع حيرة ومجّدوا الله وامتلأوا خوفاً قائلين إننا رأينا اليوم عجائب.

أيها الأصدقاء، أحداث هذه المعجزة جرت في بيت يهودي من مدينة كفرناحوم. والقاعة التي تمّت فيها المعجزة كان يعلوها سقف خشبي مغشّى بقطع من القرميد يسهل نقبها. وبيت الفلاحين في تلك الأزمنة كان يحتفظ في أغلب الأحيان بسلم قائم خلف الدار للصعود للسطح كلما دعت الحاجة لأغراض عائلية. وفي الوقت الذي صنع فيه يسوع المعجزة كان البيت يغصّ بالحضور، وهم خليط من الناس جاءوا من مناطق مختلفة، فبعضهم جاء ليستشفي وآخرون جاءوا ليستمعوا لخطب وأقوال يسوع، وغيرهم جاء لمجرّد حب الاستطلاع، كما حضرت مجموعة من الفريسيين ومعلمي الشريعة لمجرّد النقد والمعارضة.

من الطبيعي أن هذا المشهد المثير قد أذهل الحاضرين، لكن المسيح علاّم الغيوب كان يرصد العملية حتى قبل حدوثها، فلم يفاجأ بما جرى، وكان يعرف مدى إيمان هؤلاء الرجال الذين قاموا بالمهمة، ويعرف أيضاً إيمان الرجل المفلوج... وقبل أن تبدو أية إشارة من المريض أو من رفقائه، قام المسيح بالمبادرة فقال للمفلوج: "مغفورة لك خطاياك"!! فقال المنتقدون: من هو هذا الذي يغفر الخطايا؟ وما أدراه بخطايا هذا المقعد الملازم لفراشه؟ أو ليست حاجته هي للاستشفاء من مرضه المستعصي؟ هنا يكمن السر الذي نسعى مع قرائنا لكشف لغزه والتعرّف على ما ورائه!

نقول سرّ أو لغز... ذلك لأن الأمر  يتعلّق أولاً بالله، وكل ما يتعلّق بالله. هو سرّ يتسامى فوق ما يمكن أن يدركه الإنسان بعقله المحدود أو بأدوات فهمه القاصرة عن إدراك كل ما يخصّ الله. ثم ثانياً، لأنه فعلاً هو سرّ أو لغزٌ غامض لدى من لم يتعرّف بعد على حقيقة هوية المسيح. "مغفورة لك خطاياك"! قال هذا علماً أن في عقيدة اليهود لا يُستغفر غير الله، ولا يغفر الخطايا إلا الله وحده. فعندما سمعوا هذا تململوا في قلوبهم وتساءلوا بصمت: من هذا الذي يتكلم بتجاديف؟!! من يقدر أن يغفر الخطايا إلا الله وحده...

فالصورة هنا أصبحت واضحة في نور الشمس، فإن لم يكن المسيح هو الله فهو حتماً يكون مجدِّفاً! لاحظ المسيح ما كان يدور في دواخل هؤلاء من احتجاج، وشاء أن يكاشفهم بل ويجادلهم بالتي هي أحسن، فقال: أيما أيسر أن يُقال: "مغفورة لك خطاياك، أم أن يُقال قم وامشِ؟ ثم قال: ولكن لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا قال للمفلوج لك أقول قم واحمل فراشك واذهب إلى بيتك. ففي الحال قام المفلوج وحمل ما كان مضطجعاً عليه ومضى إلى بيته وهو يمجّد الله. فأخذت الجميع حيرة ومجّدوا الله، وامتلأوا خوفاً من رهبة ما حدث وقالوا إننا رأينا اليوم عجائب. فبهذا يكون المسيح قد حسم الموقف مع هؤلاء، فهو أولاً سبق وكشف ما كان يدور في دواخلهم من رفضٍ ومن فكر متناقض... ثم ثانياً: قدّم الدليل على أنه هو الرب غفّار الذنوب، فمعجزة الشفاء صادقت على ما سبقها من قول: "مغفورة لك خطاياك".

بقي أمامنا قبل ختام هذه الحلقة سؤالان يحتاجان إلى إجابة:

الأول: لماذا اهتم المسيح بأن يقول مغفورة لك خطاياك، قبل أن يوجّه عنايته إلى حاجة المفلوج للشفاء من مرضه؟ فنقول: المسيح هنا يعلمنا درساً هاماً مفاده أن هناك أولويات في ما يحتاجه الإنسان، لا ينكر أن الشفاء الجسدي لازم، لكن الشفاء الروحي أهمّ لأنه يتعلّق بالحياة الأبدية والمصير الأبدي للإنسان.

ثم هو بذلك أيضاً يقدّم درساً لأجيال البشرية مفاده أن: ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ أو ماذا ينتفع المريض لو شفي من مرضه وخسر أبديته؟ وماذا ينتفع الإنسان لو ملأ مخازنه بالجواهر والألماس ولم يفطن لأبديته؟ فغفران الخطايا يجب أن يتقدّم على كل اهتماماتنا وأن يتصدّر كل أولوياتنا من صحة، أو طعام، أو لباس، أو رفاه، أو مال. وهذا ما جاء المسيح لأجله؛ جاء لكي يخلّصنا من خطايانا، وتحمّل قصاص خطايانا على الصليب ليمنحنا الغفران.

عندما أخطأ آدم أخطأ خطية واحدة وهذه أفقدته العِشرة مع الله فطُرد من الجنة ولن يعود إلى هناك إلا مغفور الخطايا، وها هو المسيح غفّار الخطايا مستعد أن يغفر لكل من يلجأ إليه - كما جاء هذا المفلوج - وعلى حساب دمه الذي نزف على الصليب، يذهب مغفور الخطايا...

سؤال آخر يقول: لماذا طلب المسيح من المفلوج أن يحمل فراشه؟ فالفراش لا قيمة له بالمقارنة مع فرحته بما حصل عليه من شفاء! فالفراش قد يعيقه في سعيه ليخبّر أهله وعائلته وكل الناس بما صار له من شفاء... فنقول: كما كان الفراش الذي حمل المريض قبل الشفاء دليلاً على مرضه وضعفه، صار الفراش المحمول على كتفه بعد الشفاء دليل صحته ومعافاته. عندما جاء المريض محمولاً كان كسير الجناح... ضعيفاً، وعندما حمل فراشه راجعاً حمل شهادة على معجزة تحمل برهانها معها وتُقدِّم شهادة للمسيح القادر على كل شيء.

أيها الأصدقاء، هذه هي صورة المسيح بأجلى وضوح... هوية واضحة كنور الشمس، لذلك أحببناه ونحبّه، وعبدناه ونعبده رباً قادراً على كل شيء.

فهل عرفته قارئي العزيز؟ أرجو ذلك وإلى اللقاء مع كل الحب.

المجموعة: أيلول September 2006

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

269 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10473698