Voice of Preaching the Gospel

vopg

حزيران (يونيو) 2007

الإحساس بالعجز أو النقص إحساس بغيض، لكنه إحساس منتشر بين الكثيرين، فترى إنساناً يتلعثم حين يقف أمام الجموع أو يتصبب عرقاً في موقف معيّن، أو يتخذ لنفسه قوقعة يعيش داخلها لأنه يخاف الناس. ونرى إنساناً آخر يتفاخر ويتعظّم ويتكبّر حتى يغطي نقصاً بداخله، أو يتفنّن في مظهره حتى يغطي إحساساً بالعجز في جانب من جوانب حياته. إنه إحساس بغيض يدفع الإنسان إلى الكثير من التصرفات التي منبعها هذا العجز أو الإحساس بالنقص.

 

وهذا الإحساس بالنقص نجده مثلاً في بعض رجال الله الذين تحدث عنهم الكتاب المقدس. وعندما دعاهم الله إلى الخدمة أحسّوا بالعجز والنقص، وكان من الممكن أن يتهربوا من الخدمة.

ونتخذ ثلاثة أمثلة من العهد القديم لثلاثة من رجال الله العظماء، الذين بالرغم من عظمتهم أحسوا بعجزهم.

إرميا

في إرميا 6:1 دعا الله إرميا ليتنبأ، وقال له أنه قد صوّره في البطن، وقدّسه قبل أن يخرج من الرحم نبياً للشعوب، فأجاب إرميا: ”آه يا سيد الرب، إني لا أعرف أن أتكلم لأني ولد“. أحسّ إرميا بعجزه ونقصه لأنه لم يبلغ درجة من النضج تسمح له أن يكون نبياً. وكان سبب إحساسه بالعجز في أنه صغير، وأنه يخاف الناس، لذلك قال له الله: ”لا تخف من وجوههم لأني معك لأنقذك“. أحسّ إرميا بنقصه لأنه ولد، حديث السن يخاف من الشيوخ.

عاموس

اختار الله عاموس لكي يتنبأ لمملكة إسرائيل، وأخرجه من اليهودية - المملكة الجنوبية - ليذهب إلى المملكة الشمالية ليتنبأ هناك. وكان عاموس راعي غنم، يجمع الجميز، وإذ اختير لهذا العمل العظيم أحسّ بالعجز والنقص. لذلك حين قال له أمصيا: ”اذهب، اهرب إلى أرض يهوذا التي جئت منها، وكل هناك خبزاً، وهناك تنبأ وأما بيت إيل فلا تعد تتنبأ فيها“. أي لا تعد إلى هذه المملكة الشمالية. أجاب عاموس: ”لست أنا نبياً ولا ابن نبي، بل أنا راع وجاني جميز“. أحسّ بالنقص لأنه لم يتدرب أن يكون نبياً. إنه راع وجان للجميز، لم يتعلم في مدرسة الأنبياء، ولم ينل قسطاً من التدريب، لذلك أحسّ بالعجز.

موسى

الرجل الثالث الذي أحسّ بذات الإحساس، أي إحساس العجز والنقص هو موسى. وحين دعا الله موسى أن يذهب ليُخرج الشعب من أرض مصر ويتحدث إلى فرعون، قال موسى لله: ”من أنا حتى أذهب إلى فرعون؟“ ثم قال عن شعبه: ”ماذا أقول لهم؟“ ثم قال عنهم: ”ها هم لا يصدقونني ولا يسمعون لقولي“. (خروج 11:3 و13 و1:4)

الرجل الأول إرميا، أحسّ بالعجز لحداثة سنه، ولعدم نضجه عمراً أو اختباراً.

الرجل الثاني عاموس، لم يكن حديث السن، لكنه أحس بالعجز لأنه لم ينل قسطاً من التدريب والتعليم اللاهوتي، وقال إنه مجرد راع للغنم وجانٍ للجميز.

والرجل الثالث موسى أحسّ بالنقص، لا لأنه كان صغيراً، ولا لأنه لم ينل قسطاً من التعليم، فقد أخذ موسى ما لا يمكن أن يناله إنسان - تربّى في قصر فرعون، وتعلّم حكمة المصريين - ومع ذلك أحسّ بنقص مؤهلاته لأنه ثقيل اللسان!

كيف نتغلب؟

لنر ما تقوله كلمة الله لنا عن هذا الإحساس - الإحساس بالنقص - وكيف نتغلب عليه.

ظهر إرميا في عصر كانت الأمة اليهودية فيه قد تدهورت وانحلت خلقياً وروحياً، واختار الله إرميا ليتحدث إلى شيوخ اليهود لكي يحذرهم ويتحدث إليهم عن دينونة الله وقصاصه، وكان لا يزال صغير السن فقال: ”آه يا سيد الرب، إني لا أعرف أن أتكلم لأني ولد“. لم ينظر إرميا إلى الشخص الذي أرسله، لكنه نظر إلى الأشخاص الذين سيذهب إليهم. لم ينظر إلى الله الذي كلفه بالمسؤولية، لكنه نظر إلى الناس الذين سيحمل المسؤولية من نحوهم. لم يسمع صوت الله بقدر ما سمع صوت سخرية الناس، فتصوّرهم يسخرون منه حين يتحدث إليهم.

وكانت هذه علته وسبب إحساسه بالنقص، وبدل أن يتّجه إلى الله ويرى عظمته، اتجه إلى الناس فخاف منهم، وبدل أن يستمع إلى صوت الله ويتشدد ويتشجع سمع صوت العالم الساخر فخاف. لذلك قال له الله: ”لا تخف من وجوههم لأني أنا معك“. أتخشى من الكلام؟ ومن أدراك أنك أنت الذي سوف تتكلم؟ قال له الله: ”قد جعلت كلامي في فمك“، أنا لا أريدك أن تتكلم من ذاتك! نعم أنت ولد، ولكني أنا إله عظيم، والكلمة من عندي. أنا لمست فمك وجعلت كلامي في فمك.

ما أجمل هذه الرسالة التي قدّمها الله لإرميا ليشدده في حالة إحساسه بالنقص! كانت كلمة الله لإرميا: ”قبلما صورتك في البطن عرفتك، قبلما خرجت من الرحم قدستك“. اخترتك لا لأنك شجاع وعظيم، ولكني اخترتك من قبل أن تولد، ومن قبل أن تتمتّع بأي صفة من الصفات.. اخترتك لذاتي.. اخترتك وأنا كفيل بأن أشددك وأشجعك.

إننا نشعر بإحساس العجز الشديد حين ننظر إلى العالم بدل أن ننظر إلى الله. حين دعا المسيح بطرس أن يأتي إليه سائراً على الماء استجابة لطلب بطرس، مشى بطرس على الماء بعض الوقت. ولكن لما حول نظره عن المسيح، ونظر إلى الأمواج العالية ابتدأ يغرق. وتلك حقيقة نختبرها في كل خطوة من خطوات حياتنا. حين تكون أنظارنا متجهة إلى المسيح، نسير على الماء ونسير في النار ولا نكترث، ولكن حين نلتفت إلى الأمواج العالية، ونستمع لصوت السخرية، نغرق، ولا بد أن نصرخ قائلين: يا رب نجني!

إذاً أعطى الله قوة لإرميا في عجزه، بأن قدّم له دعوة، ووضع على لسانه رسالة.

الدعوة هي الأساس

أما عاموس فقد اختاره الله لكي يذهب لبيت إيل وهناك نادى بالرسالة، ولم تعجب الرسالة الملك يربعام. لذلك جاء أمصيا كاهن هذه المملكة وقال لعاموس: ”ليس هذا مكانك. إن أردت أن تأكل خبزاً فعد من حيث جئت... اذهب إلى الجنوب، وتنبأ هناك كيفما شئت، لكن ليس لك عيش معنا. الأرض لا تطيق كل أقوالك. ”لا تعد تتنبأ في بيت إيل لأنها مقدس الملك وبيت الملك“.

ولكن عاموس قال: ”أخذني الرب من وراء الضأن، وقال لي: اذهب تنبأ لشعبي إسرائيل“. وما دام هو قد دعاني، إذاً هو كفيل بأن يقودني لخدمته. وأنا أذهب غير معتمد على تعليمي، ولكن معتمداً على قول الله، ومطيعاً له.

كم من مرة نقف موقف عاموس في إحساسنا بالعجز، فنقول: ”لم نتدرّب على التبشير، ولم ندخل كلية اللاّهوت. كيف أستطيع أن أنادي برسالة الله وأنا لم أتعلّم؟“ لكن دعونا نتذكر أنها خدعة كبيرة أدخلها الشيطان إلى الكنيسة حين أوهم الكنيسة أن الخدمة مقصورة على المتخصصين للخدمة - الدارسين في كلية، النائلين شهادة من الشهادات، أو أنها مقصورة على الراعي وحده، أما الشعب فمهمتهم أن يسمعوا الرسالة لا أن يلقِّنوا غيرهم الرسالة. لكن لو رجعنا إلى تاريخ الكنيسة الأولى لوجدنا أن الذين قاموا بالتبشير لم يكونوا رسلاً فحسب، ففي أعمال 8 حين يتحدث عن الاضطهاد الذي حدث للكنيسة بعد قتل استفانوس، يقول: ”حدث في ذلك اليوم اضطهاد عظيم على الكنيسة التي في أورشليم فتشتّت الجميع في كور اليهودية والسامرة ما عدا الرسل“. الجميع تشتتوا وبقي الرسل. وفي العدد الرابع يقول: ”فالذين تشتتوا جالوا مبشرين بالكلمة“. إذاً مسئولية المناداة بالكلمة ليست مقصورة على الراعي أو الرسل، بل هي مسؤوليتك - وأنت لا تستطيع أن تتعلل بالقول أنك لم تتعلم ولم تدرس. فإنك تستطيع أن تدرس كلمة الله وتتعلم عند قدمي المسيح، وإذ ذاك يمكنك أن تنادي بكلمة الله ولا تنتحل لنفسك عذراً. عرف عاموس أنه لم يدرس، لكنه عرف شيئاً آخر أكيداً: أن الله قد دعاه، وحين يدعو الله فلا بد أن يُطاع.

الله كفيل

أما موسى، فكان على الأقل في سن الأربعين ونال قسطاً عظيماً من التعليم والتدريب، لكنه أحسّ بالعجز لأنه:

أولاً ظن أنه ثقيل اللسان ولا يستطيع أن يتكلم. أحسّ بنقص في مؤهلاته الشخصية الطبيعية.

وثانياً، أحسّ بالخوف من الفشل. وهذان السببان هما أساس إحساسنا بالفشل وامتناعنا عن القيام بالمسئولية والخدمة.

نحن نتعلل أحياناً بأننا نخشى من الفشل وألا يسمعنا الناس، لكننا يجب أن ندرك أننا نتحدث بالرسالة أولاً لأن هدفنا هو أن نمجد الله، والله كفيل بأن يستخدم هذه الرسالة لكي يأتي بالنفوس إليه.

الصفة المميزة لهؤلاء الثلاثة، ولكل إنسان يحسّ بالعجز، أنه ينظر إلى نفسه، ويجعل من نفسه محوراً للحياة، فيخاف لئلا يرفضه الناس أو يسخروا منه لأنه صغير أمام قوم كبار، أو ثقيل اللسان أمام قوم تعوّدوا أن يسمعوا إلى خطباء مفوّهين. كلهم تدور أفكارهم حول نفوسهم.

ما أحوجنا إلى أن يتم فينا ما تم في غلام أليشع الذي كان خائفاً ومرتعداً لأنه كان يرى مركبات الأعداء حوله، وحين فتح الله عينيه اطمأن وهدأ باله، لأنه رأى أن الذي معه أقوى من الذين عليه (1ملوك 17:6).

ما أحوجنا إلى أن نفتح عيوننا فلا نرى الذين ضدنا فنخافهم، بل نرى الذي معنا فتطمئن قلوبنا وتهدأ نفوسنا، وندخل إلى الخدمة بثقة واطمئنان، لأن معنا إلهاً عظيماً قادراً قوياً، يقول إن أبواب الجحيم لن تقوى على هذه الكنيسة. دعونا نطمئن حين ننقل نظرتنا من ذواتنا إلى إلهنا.

لا ينبغي أن نتخذ من إحساسنا بالنقص حجة نمتنع بسببها عن تحمّل المسئولية ونهرب من الخدمة، بل ينبغي أن نتخذ من هذا الإحساس دافعاً قوياً للخدمة. وعليك أن تقول: ”بذاتي لا أستطيع شيئاً، ولكن في المسيح أستطيع كل شيء“، وإذ ذاك ستنال قوة جديدة، ويتحوّل إحساس النقص بداخلك إلى قوة دافعة ورافعة في الخدمة.

المجموعة: 200706

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

243 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10476652