Voice of Preaching the Gospel

vopg

تموز (يوليو) 2008

يطلعنا الوحي في الأصحاح الرابع من إنجيل يوحنا على حدثٍ جرى مع المسيح في ضواحي مدينة من السامرة في وسط فلسطين يُقال لها سوخار.

 

والمسيح يومها كان قد بدأ برحلة من أورشليم برفقة تلاميذه باتجاه الجليل في شمال فلسطين، والطريق ما بين أورشليم والجليل لا بدّ أن تمرّ من خلال السّامرة، وما أن وصلوا إلى مدينة سوخار القريبة من بئر يعقوب المعروف حتى اليوم منذ آلاف السنين حتى جلس المسيح على باب البئر الصخري بينما ذهب تلاميذه إلى المدينة ليبتاعوا طعاماً. وخلال فترة الانتظار إذا بامرأة سامريةٍ قد جاءت لتستقي وتملأ جرّتها من البئر. وبينما كانت تنشل الماء بدلوها طلب يسوع منها أن تعطيه ليشرب، فقالت له: كيف تطلب منى لتشرب وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية!....

فالمسيح بهيئته ولهجته يُحسب يهودياً، وهذه امرأة سامرية، والسّامريون واليهود لا يتعاملون مع بعضهم البعض ولا يأكلون أو يشربون من آنية بعض، وهذا تقليدٌ جروا عليه منذ زمن طويلٍ، فالسامريّون نصف دمهم يهوديّ والنصف الآخر خليطٌ من الشعوب التي استقرّت في السّامرة بعد حروب وفتوحات غزت المنطقة في عهود ما قبل الميلاد، وصاروا بذلك جزءاً من نسيج سكان البلاد، ولهم معتقدات دينية شبه يهودية، إنما يختلفون عن اليهود في نواحٍ كثيرة.

قال لها: أعطني لأشرب... قالت كيف تطلب مني لتشرب من إناء سامريّ فأنت يهودي وأنا امرأة سامرية!... فأجابها: لو كنت تعلمين عطية الله ومن هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب لطلبتِ أنتِ منه فأعطاك ماءً حيّاً.هنا وقعت المرأة في حيرة، فكلامه لها بدا غير متوازن، فقالت: يا سيّد لا دلو لك والبئر عميقة، فمن أين لك الماء الحيّ؟ فقال لها: كلّ من يشرب من هذا الماء يعطش إلى الأبد، ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد، بل الماء الذي أعطيه أنا يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياةٍ أبديةٍ، فزاد هذا من حيرتها، لكنها استأنفت وقالت:يا سيّد، أعطني هذا الماء لكي لا أعطش وآتي إلى هنا لأستقي...

فالمسيح هنا قارئي العزيز كان يتحدّث عن الإيمان كنبعٍ حيّ يروي عطش الإنسان المتشوّق للسلام وراحة البال، بينما المرأة كانت تتحدّث عن مياه الدّنيا والتي هي فعلاً كلّ من شرب منها سيعطش بعد ساعات، ولذلك قالت: يا سيد أعطني هذا الماء لكي لا أعطش ولا آتي إلى هنا لأستقي. بهذا الحوار المتبادل استطاع المسيح أن يستدرجهاليضع إصبعه على أصل الداء في الجانب الخفي من حياة هذه المرأة، فهو يعرفه ولا يخفى عليه شيء!.... هنا ردّ عليها يسوع بقوله: اذهبي وادعي زوجك وتعالي إلى ههنا، عندها بدا الحرج على وجه السامرية، وقبل أن تزداد حرجاً، عمدت إلى قطع الطريق على مطلب المسيح العارف بماضيها وهي لا تدري، فقالت:ليس لي زوج!.... فقال لها: حسناً قلت ليس لي زوج، لأنه كان لك خمسة أزواج، والذي لك الآن ليس هو زوجك، هذا قلتِ بالصدق. فلما لاحظت المرأة أن تاريخها صار مكشوفاً أمام هذه الضيف الغريب، أسرعت، فقالت: يا سيّد أرى أنك نبي، ثمّ دخلت معه في جدلٍ تقليدي قديم بين السامريين واليهود، وأخذت تتساءل لعلّها تتعرّف على الحقيقة في الأمور المختلف عليها بين يهودٍ وسامريين، فقالت: آباؤنا سجدوا في هذا الجبل (جبل السّامرة) وأنتم (اليهود) تقولون أن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يُسجدَ فيه، فقال لها: يا امرأة تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب، أنتم تسجدون لما لستم تعلمون...ولكن تأتي ساعة وهي الآن حين السّاجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق، لأن الآب (الله) طالبٌ مثل هؤلاء الساجدين له.الله روح والذين يسجدونَ له فبالرّوح والحق ينبغي أن يسجدوا. فالموضوع ليس في هذا الجبل أو في ذاك.

هذا الحديث أثار ذاكرتها الدينية فردّت قائلة: أنا أعلم أن مسيّا الذي يقال له المسيح يأتي، فمتى جاء ذاك يخبرنا بكلّ شيء.فقال لها يسوع: أنا الذي أكلمك هو!,,,,هنا يكون المسيح قد فجر الحقيقة في وجهها دفعة واحدة، فما كان منها إلا أن تركت جرتها عند البئر في ذهول ومضت مسرعة إلى المدينة تنادي بأعلى الصوت: تعالوا وانظروا إنساناً لم ألتق به في حياتي كشف كلّ الماضي الذي عشته وقال لي كلّ ما فعلت، لعله هو المسيح!؟ فأثار هذا اهتمام الجموع فخرجوا من المدينة وأتوا وراءها إلى حيثُ كان يسوع.

وكان التلاميذُ قد عادوا من السّوق وقد أحضروا الطعام وسألوه أن يأكل، فقال لهم: لي طعامٌ لآكل لستم تعرفونه، ثمّ قال: ارفعوا أعينكم وانظروا الحقول إنها قد ابيضت للحصاد، وعندها وصل أهل المدينة مع السامريّة إلى المكان حيث المسيح وتلاميذه فرأوه وسمعوا كلمات النعمة الخارجة من فمه، فأحبوه وآمن كثيرون به وطلبوا منه أن يمكثَ عندهمأياماً فمكثيومين وتحدّث خلالها لآخرين أيضاً وآمن آخرون، ولماارتووا من اللقاء الشخصي معه، قالوا للمرأة كتعبير عن صدق إيمانهم، لسنا بعد بسبب كلامك نؤمن به لأننا نحن قد سمعنا ونعلم أنّ هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم، وبعد يومين صرفهما في السامرة واصل سيره إلى الجليل.

والآن نعود لنقف عند بعض المشاهد في هذا الحدث، فنقول: ماضي هذه السامرية كان ماضيأً موغلاً في الوحل في عيشةٍ غير شريفة، وحياة أخلاقية متدنية تنتقل من زوجٍ إلى زوجٍ وتقيم مع بعضهم علاقات غير شرعية، ومع ذلك عند الحوار مع المسيح أخذت تناقش وتجادل في قضايا دينية لا تمتلك فيها رؤيا حقيقية، وبدت وكأنها تدافع عن موقف ديني تنتمي إليه، فقال: أنتم تقولون أنه في أورشليم مكان العبادة الحقيقي ونحن نقول في جبل السامرة. فالعبرة التي نستخلصها هنا أنّ بيننا اليوم في العالم من يُمثلون نفس الدّور الذي للسّامرية، يجادلون دينياً، ويتعصبون، ويُحاججون، ويحنقون دفاعاً عن عقيدة، وهم أبعد ما يكون عن فهم الحق وعن ممارسة العبادة الحقيقية،لأن حماسهم الانفعالي لا يلازمه السلوك السّوي وما يشدّهم من العقيدة التي يحسبون عليها هو التعصّب لها وكراهية الآخر ورفضه  والتعالي عليه.

فنحن في سياق هذا الحديث نتمنى أن يدرك كلّ متديّن على وجه الأرض أن الله يريد رحمةً لا طقوساً دينية أو شعائر تُمارس دون مسلك حسن يُظهر جمالية التديّن المقبول عند الله.وجديرٌ بالذكر أن السامرية انتبهت إلى هذا وقررت أن تعيد النظر في حقيقة الجدل القائم بين شعبها والطرف الآخر، وهذا لتتعرف على المسيح وتشهد عنه.

ثمّ هناك مشكلة أخرى عند البعض وهي أن الفرد يتبنّى رأي الجماعة التي ينتمي إليها ويتجنّد للدفاع عنه ويتعصب له دون أن يعطي عقله فرصة ليتحقق من سلامة الرأي وهل هو خطأ أم صواب!.... أمّا هذه السامريّة فبعدما صَدَمْتها الحقائق التي تفجرت أمامها خرجت عن هذا التقليد المتوارث. لقد دافعت عنه في البداية لكنها تراجعت أخيراً وراحت تنادي جموع شعبها ليعيدوا النظر فيما هم عليه، فقالت: "هلمّوا انظروا إنساناً قال لي كلّ ما فعلت، لعلّ هذا هو المسيح، تعالوا إليه وتحققوا الأمر، وهذا ما حصل حتى قالوا لها نحن آمنا أن هذا هو المسيح مخلص العالم، وإيماننا لم يعد يعتمد على ما تشهدين به بل نحن تحققنا منه وقبلناه...

وفي الختام أقول: هذه امرأة سامرية فعندما تحققت الأمور أمامها على غير ما كانت تظن، أدركت أنها مخطئة سواء في سلوكها الأخلاقي أو في عقيدتها الدينية، فلم تتحرّج عندهامن أن تتخذ قرارها، وتقبل الحقيقة التي برزت أمامها وتتغيّر، ويكفيها فخراً أن الإنجيل سجل موقفها هذا ليكون عبرة للأجيال.

المجموعة: 200807

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

153 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10555523