Voice of Preaching the Gospel

vopg

حزيران (يونيو) 2008

عندما مثل شدرخ وميشخ وعبدنغو أمام نبوخذنصر وهدّدهم بطرحهم في أتون النار المتّقدة قائلاً: ”ومن هو الإله الذي سينقذكم من يدي؟“ أجابه هؤلاء الفتيان بشجاعة فائقة: ”يا نبوخذنصر، لا يلزمنا أن نجيبك عن هذا الأمر. هوذا يوجد إلهنا الذي نعبده يستطيع أن ينجينا من أتون النار المتقدة وأن ينقذنا من يدك أيها الملك. وإلا فليكن معلوماً لك أيها الملك أننا لا نعبد آلهتك ولا نسجد لتمثال الذهب الذي نصبته“ (دانيآل 16:3-18).

 

من المدهش حقاً أن موقف التحدي هذا الذي اتخذه هؤلاء الفتيان الأبطال هو أحد المواقف القليلة التي يسجلها الكتاب المقدس ببعض التفاصيل. والواقع أن سفر دانيآل يحفل بمثل هذه المواقف أكثر من أي سفر آخر، حتى أضحى في نظري سفر التحدّيات؛ طبعاً، إذا أخذنا بعين الاعتبار مواقف دانيآل مع ملوك فارس.

ولكننا إذا أمعنّا النظر في قصة هؤلاء الفتيان والظروف التي أحاقت بهم، فإننا نمتلئ بالإعجاب، بل يعترينا شعور من الوهلة أمام جراءتهم في وضع عصيب يرتعد أمامه الأبطال الميامين الذين خاضوا أهوال المعارك، وتمرّسوا في فنون القتال.

وأودّ هنا أن ألقي الأضواء على بعض مناحي هذه المواقف لِما فيها من دروس بليغة لنا لعلنا نستمدّ منها بعض التعزية والشجاعة عندما نواجه مخاوف مماثلة.

كان هؤلاء الفتية في أوائل عهدهم في الحياة، فهم لم تعركهم تجارب الدهر بعد، ولم يختبروا تقلّباتها. ونعلم من بعض التلميحات التي أوردتها نصوص هذا السفر، أنهم كانوا ينتمون إلى أُسر أرستقراطية اختارهم الملك نبوخذنصر من بين الأسرى الذين وقعوا بين يديه من السبي اليهودي. كانت ميزتهم الوحيدة البارزة أنهم أبطال الإيمان الذين تمسّكوا بالشريعة المقدّسة ورفضوا أن يتنجّسوا بأطايب الملك. لم تغرهم مظاهر القصر، ولا أسباب الرفاهية، بل كان همهم الأول إرضاء الله وتمجيده.

ومع أنهم كانوا أسرى لا حقوق لهم ولا امتيازات سوى ما ينعم به عليهم الملك، فإنهم لم يترددوا لحظة واحدة في تحدّي سلطانه، والتمرّد على أوامره لأنها كانت تتناقض مع إيمانهم. كان همهم الأول إرضاء الله، فأبوا أن يسجدوا لتمثال الذهب الذي نصبه نبوخذنصر. لقد أذعن المرازبة، والوزراء، والولاة، والقضاة، والخزنة، والفقهاء، والمفتين، وكل حكام الولايات، لأوامر الملك وتوافدوا من أرجاء المملكة ليدشّنوا التمثال والسجود له حالما تعزف الآلات الموسيقية، باستثناء هؤلاء الفتية الذين أقامهم نبوخذنصر على أعمال ولاية بابل، فإنهم رفضوا أن ينصاعوا لأمر الملك على الرغم من كونهم موظفيه وأسراه. كان تمرّدهم على أوامر الملك يقوم على وعيٍ تام للنتائج الوخيمة التي سيتعرّضون لها إذ يقول الكتاب: ”ونادى منادٍ.. ومن لا يخرّ ويسجد ففي تلك الساعة يُلقى في وسط أتون نار متّقدة“ (دانيآل 4:3-7). بيد أن هذا التهديد لم يثنِ من عزيمتهم أو يولّد الخوف في قلوبهم، بل وقفوا برؤوس شامخة متحدّين أمر الملك.

والملاحظ أيضاً أنهم في إجابتهم للملك، لم يبدأوها بألقاب التبجيل والتعظيم، بل خاطبوه باسمه مجرّداً من كل لقب قائلين: ”يا نبوخذنصر..“ كانوا آنئذ يقفون في محضر ملك هو أعظم من نبوخذنصر، بل أعظم من كل ملوك الأرض. كانوا في محضر الله؛ لهذا بدا لهم أن نبوخذنصر، على الرغم من عظمته وجلاله وجيوشه وعظمائه المحيطين، إنساناً عادياً كبقية الناس، وهكذا أمام بهاء مجد الله وسلطانه تضاءلت عظمة نبوخذنصر سيد الأرض الذي قهر الممالك والشعوب واستعبدها لصولجانه.

ولكن الأهم من كل هذا هو ولاؤهم الكامل لإلههم. قال نبوخذنصّر لهؤلاء الفتية بتعجرف وكبرياء: ”ومن هو الإله الذي ينقذكم من يدي؟“ لقد نسي نبوخذنصر أن جميع انتصاراته وجبروته كان نتيجة لإرادة الله في حياته لمعاقبة الشعوب التي غضب عليها الله فأدانها. تناسى أنه كان أداة طيّعة بين يدي إله الخليقة كلها وأنه هو الذي أذن له أن يقهر تلك الممالك ومن جملتها مملكة يهوذا، وظن في نفسه أنه بقوّته وبفضل جيوشه قد دمّر أمم ذلك الزمان. وهكذا بكل تشامخ وعجرفة تحدّى الله نفسه. لم يعد الموقف بين الفتية الثلاثة وبين الملك نبوخذنصر، بل صار موقف تحدٍّ بين الملك والله. لذلك أجابه هؤلاء الفتية بأن الله الذي يعبدونه قادر أن ينقذهم وينجيهم من أتون نبوخذنصر. ثم عبّروا عن ولائهم الكامل لإلههم عندما شهدوا معلنين أنه حتى لو لم ينجيهم ”فليكن معلوماً لك أيها الملك أننا لا نعبد آلهتك ولا نسجد للتمثال الذي نصبته“! صفعة هائلة على وجه ملك الأرض، واحتقار هائل لآلهته وتمثاله مما أثار غيظه وسخطه فأمر بإيقاد أتون النار سبعة أضعاف انتقاماً من هؤلاء الفتية الذين تحدّوه شخصياً، وتمرّدوا عليه أمام عظمائه ونبلاء مملكته.

وهنا نقف أمام عظمة إيمان هؤلاء الفتية وولائهم لإلههم بكثير من الرهبة والتقدير والإعجاب. فإيمانهم بإلههم لم يتوقّف على استجابة هذا الإله لصلاتهم، بل ولاؤهم كان مرتبطاً بشخص هذا الإله بغضّ النظر إن تجاوب مع ابتهالهم أم لا. لقد آمنوا به، وبحكمته، وأدركوا أن إرادته هي فوق كل إرادة، وأن علاقتهم به لا تقوم على المصالح بل على الثقة بشخصه ومحبتهم له لأنه هو الله، وهو يعلم ما هو أفضل لهم. هذا هو الإيمان الحقيقي والتسليم الكامل للإرادة الإلهية. إن مثل هذا الولاء هو ما ينقص الكنيسة اليوم، بل هو ما نحن أحوج إليه في علاقتنا مع الله مهما تقلّبت بنا الظروف وتعقّدت الأحوال. إن البطولة التي أبداها هؤلاء الفتية يجب أن تكون مثالاً لنا نحتذي به في إبان غربتنا على هذه الأرض. وعندما نبلغ الموطن الأبدي محطّ ترحالنا، عندئذ يكافئنا إلهنا على ولائنا له لأن هذا الولاء لا يعبّر عن حقيقته إبّان الأوقات الهينة إنما في الظروف التي تتطلب مواقف غير عادية، وجرأة متناهية، وثبات إيمان، وثقة كاملة بمن نعبد.

المجموعة: 200806

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

160 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10475012