Voice of Preaching the Gospel

vopg

حزيران (يونيو) 2008

البعض من الناس لا يؤمن بوجود الأرواح الشريرة ككائنات حيّة موجودة تتحرّك وتعمل في حدود معيّنة، ويقولون إن مثل هذه الأرواح لا وجود لها إلا في أساطير الأولين. وبحسب رأيهم إنّ ما لا يُرى بالعين المجرّدة أو يُلمس أو يُدرك بالحواس الخمس للإنسان لا وجود له.

أذكرُ أني كنتُ أستمعُ يوماً لبرنامج ديني مسيحي من الرّاديو، وكان حينها دكتور مسيحي مستشار أو متخصّص في القضايا الاجتماعية والنفسية، وكان يردّ على شابة تشكو من وجود أرواحِ شريرة تضايقها وتطلب المشورة. وفي سياق ردّه عليها - اجتهاداً منه لطمأنتها - أخذ يؤكّد لها أن الاعتقاد بوجود مثل هذه الأرواح هو ضرب من الخيال، وأن ذلك هو من أساطير الأقدمين. فَصَعَقَني جوابه وكأنه لم يقرأ يوماً في إنجيله عما ورد في كثير من المواقف التي فيها أخرج المسيح أرواحاً شريرة من أشخاص قاسوا منها مرارة العذاب، وكان يخاطبها ويأمرها بالخروج فتجيبه بالصوت المسموع وتطلب منه أن لا تخرج فينتهرها وتخرج في الحال.

وهنا أقول أن مَنْ يُنكر وجودَ الأرواح غير المنظورة تلك هم حتماً ينكرون وجود الشيطان، لأن الشيطان روح غير منظور. وبالتالي حكماً ينكرون وجود الله، لأن الله روح، وهو مَنْ أوحى في إنجيله عن وجود مخلوق اسمه الشيطان ووجود أرواحٍ مضلّة تابعة للشيطان تأتمر بأمره وُتُنَفِّذ مخططاته المعادية لله.

ما كنتُ لأسهب في مثل هذا البحث لولا أني وجدتُ نفسي اليوم أتحدث عن مريم المجدلية، تلك التي ذكرها الإنجيل أنها كانت مسكونة بسبعة شياطين، لكن المسيح شفاها وحررها. يخبرنا لوقا في إنجيله في الأصحاح الثامن عن أن المسيح كان يسير في كل مدينة وقرية يكرز ويُبشر بملكوت الله ومعه تلاميذه الاثني عشر، وكان هناك بعض النساء اللواتي شُفين من أرواحٍ شريرةٍ وأمراضٍ ومنهنّ مريم المجدلية التي أخرج المسيح منها سبعة شياطين.

قارئي الكريم،

إن روحاً شيطانية واحدة كافية لكي تدمّر حياة إنسان واحد. وأنا محدّثك شاهدتُ بعينيَّ أُناساً من هذا النوع يستحقون الشفقة، فما بالك بالمجدلية التي كان يسكنها سبعة شياطين!... هذا يعني أن الدمار الذي كانت تعاني منه لا يُمكن وصفه وتعجز الكلمات عن تشخيصه. فالمجدلية كانت غارقة في وحل الخطية، لا تستطيع أي قوة في العالم أن تخلصها منها. والخطية هي البيئة التي فيها تستقرّ الأرواح الشريرة - أو ما يُسمّى بالجن عند البعض - لكن الوحيد القادر أن يسيطر على مثل هذه الحالة هو المسيح، فهو جاء ليخلص من الخطية، ويخلص من عذاب الخطية، ومن سلطان الخطية، ومن أسر الشيطان فدفع ثمن خلاصنا دماً زكياً نزف على الصليب لفداء البشرية. ولذلك فالشيطان وكلّ روح شرير يرتعبُ من ذكر الصليب لأن في دم الصليب قوة مدمّرة ومرعبة لإبليس، تحرّر ضحاياه من قبضة يده.

عانت المجدلية المرار من شياطينها السبعة، وعندما لجأت  إلى المسيح طرد منها الأرواح الشيطانية السبعة، فتحررت المجدلية من أعظم قوة مدمّرة لحياتها. وعندما استفاقت المجدلية على حياتها وأدركت أن في المسيح قوة تحرير وشفاء، وهبت قلبها وحياتها لمن فداها، وصارت تابعة مخلصة للمسيح، وبقيت كذلك حتى في أحرج الأوقات. عندما عُلِّق المسيح على الصليب، كانت المجدلية هناك تراقب المشهد عن قرب. وفي فجر الأحد - اليوم الثالث من دفنه - حضرت إلى القبر، برفقة بعض النسوة لتكرم سيدها، ولما اكتشفت أن مسيحها ليس في قبره احتارت واضطربت وأخذت تبكي ظناً منها أن أحداً أخذه. وبينما هي كذلك ظهر لها يسوع فظنته البُستاني، إذ أن عينيها كانتا مغرورقتين بالدموع وضوء الفجر ما زال خافتاً فقال لها: يا امرأة لماذا تبكين؟ من تطلبين؟ ولما لم تعرفه قال لها: ”يا مريم“! عندها ميزت صوته، ولما عرفته تفجّر الفرح في قلبها، فأوصاها أن تذهب إلى تلاميذه وتخبرهم بأنه حيّ. فكانت المجدلية أول من حمل بشرى القيامة لتلاميذه وللعالم. يا له من امتياز عظيم!!!

لا مجال للمقارنة بين ماضي المجدلية وحاضرها بعد أن حررها المسيح ونعمت بهبة الخلاص. فهي في ماضيها كانت مثقلة بالمتاعب تحت ضغط شياطينها السبعة، تعيش في قلقٍ وخوف ورعب، مكبّلة مسبيّة... بلا استقرار... بلا سلام... لكن، بعد أن التقت بالمسيح، ونالت غفرانه وخلاصه، تحررت من كلّ قيود الشر وصارت تشهد عن خلاص المسيح وتحمل البشرى لكلّ من تصل إليه. ويكفيها فخراً أن الوحي سجّل اسمها في سجل الخالدين في إنجيل الله.

قارئي الكريم،

هذا ما جاء المسيح لأجله... لم يأتِ المسيح ليقول للناس صلّوا أو صوموا أو قوموا بواجب ديني روتيني يتقربون به إلى الله، بل جاء ليُغيّر القلب في داخل الإنسان، ويُحرّر النفس من قيود الشّرّ، وعندها تتمكن النفس المتحرّرة من أن تتعبّد لله عبادة مرضية مقبولة عنده. وما صنعه المسيح في المجدلية صنعه أيضاً في كثيرين وكثيرات لجأوا إليه، والمجدلية واحدةٌ من هؤلاء. اجتهد المفسرون في تحليل معنى الشياطين السبعة التي لبست المجدلية قبل أن تلتقي بالمسيح، فبعضهم قال أن كلّ شيطان من هؤلاء، كان مسئولاً عن خطية أو عادة شريرة في حياتها، لكن مهما تفاوت الاجتهاد في التحليل والتفسير، إنما المهم أن المجدلية بعد تحريرها رفعت رأسها عالياً بعزّ لأن الماضي الأسوأ أصبح في طيّ النسيان، وعيوب الماضي غسلها المسيح بدمه النازف على الصليب، وما عاد من سلطان للشيطان عليها ليُعيّرها بالماضي، فإبليس صار مدوساً تحت أقدامها، مغلوباً ومهزوماً بقوة دم المسيح الذي حررها.

يقول الله في الكتاب المقدس: ”هلم نتحاجج يقول الرب. إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيضّ كالثلج. إن كانت حمراء كالدوديّ تصير كالصّوف“. وهذا يعني أنْ مهما كانت خطايا الإنسان، ومهما قبحت، فهو قادر أن يمحوها ويحرّر مرتكبيها إن لجأوا إليه طالبين رحمته. وعندها يصبح قلب المؤمن التائب أبيض ونقياً كبياض الثلج، أو كالصّوف النقيّ بعد غسله. هذا هو مفعول دم المسيح في تطهير قلب من يرجع إليه تائباً طالباً رحمته.

مثال تحرير مريم المجدلية، مثال يتكرر كلّ يوم في حياة الكثيرين والكثيرات في هذا العالم. وعبر التاريخ كلّه ملايين من الناس نالوا هذا التحرير سواء كانوا من أوساط مسيحية أو من غيرها. فالمسيح ليس للمسيحيين وحدهم بل جاء للعالم أجمع. ونحن هنا نعلن للعالم أجمع أن إبليس مغلوب مداس تحت أقدام المؤمنين والمؤمنات الذين اغتسلوا بدم المسيح، ونقول أيضاً أنه مهما شيّد إبليس من حصون حول فرائسه وضحاياه، فالمسيح يسمع أنين المأسورين الرّاجين خلاصه، ويعرف كيف يشق طريقه لنجدتهم رغم ما يقيمه العدوّ من موانع، وحواجز، وأنظمة، وقوانين جائرة مفتعلة تحاول أن تُبعد صوت المسيح من الوصول إلى هؤلاء. إن المسيح لديه قوة ليُحطّم الحصون، ويكسر الأغلال، وهو وعد أن لا يُخيِّب إنساناً يلجأ إليه، إذ قال: "من يأتي إليّ لا أخرجه خارجاً"؛ بمعنى ”لا أردّه خائباً“.

آمل أن تكون هذه الرسالة قد وصلت إلى نفسٍ معذبة ترجو النجاة من قيدٍ... من عادة... من أسرٍ... من خطية... من شعورٍ بالهزيمة... وتتمنى النجاة. المسيح قادرٌ أن يحرّر. فقط الجأ إليه، اطلبه أينما كنت، فهو يسمع ويستجيب ولا يُخيّب أحداً!...

يقول الكتاب: "اطلبوا الرب ما دام يُوجد. ادعوه وهو قريب. ليترك الشرير طريقه، ورجلُ الإثم أفكاره، وليتب إلى الرب فيرحمه وإلى إلهنا لأنه يكثر الغفران".

 

المجموعة: 200806

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

89 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10557049