Voice of Preaching the Gospel

vopg

أيار (مايو) 2008

”... وغُصتُ في بحرٍ من الأفكار راحتْ تعبثُ بخيالي وتدغدغُ بأوتار قلبي لتثيرَ فيَّ تارةً الأحاسيس البهيجة وتارةً أخرى المشاعرَ المحزنة. ووجدت نفسي أترجح بين ما هو مسرٌّ ومفرح، وبين ما هو محزنٌ ومقلق، بينما كنت على متن طائرة تقلُّني على جناح الريح راجعةً من مصر إلى لبنان، بعد رحلةِ عملٍ فني. وهناك فوقَ الغيوم المتناثرة من تحتي والتي بدت لي كالقطن الساطع الأبيض، وأنا أمتطي السحاب وأعبرُ الجبالَ والبحار،  بدأت أتساءل سؤالاً بعدَ الآخر وأقول لله الذي ألفيْتُه قريباً مني جداً: قلْ لي يا رب أينَ أنت؟ وهل أنتَ موجودٌ هنا؟ وشرعت أسألُ المولى عن حياتي التي أحياها، وعن الفراغ القاتل الذي صارَ يقض عليَّ مضجعي، وقلت بحسرةٍ وألم شديدَيْن: ما هو معنى حياتي؟ ما هي هذه الحياة التي أعيشها؟ بقدر ما أعبُّ منها بقدر ما يزداد جوعي وعطشي إلى المزيد. وكلَّما حصلت على المال أرى نفسي أكثرَ طمعاً من السابق. ما هذه الحياة التي أحياها يا رب؟ لقد سئمتُها فعلاً. فأين السعادةُ وأين الفرح؟ وانحدرتْ دموعي مدراراً وأنا أبثُّ شجوني لربِّ السماء. ولم أرجعْ إلى نفسي وأخرجْ من دائرةِ بحر أفكاري وأحاسيسي المرهفة، إلا حين أذاعتِ المضيفةُ اقترابِ موعد هبوطِ الطائرة في مطار بيروت“.

 

اختلطتْ مشاعرُ ”تمار“ عليها، وشرعت بتوجيه سؤال بعد الآخر إلى نفسها وإلى الله الذي أحسَّتْ بقربه منها وهي تمتطي السحاب، بعد أن حصلت على الإنجيل المقدس واطلعَتْ عليه من خلال المسؤول القائم على أعمالها الفنية. وعلى الرغم من أنَّ ”تمار“ وُلدتْ في كنف عائلةٍ مسيحية متديِّنة، وكانت منخرطةً في جوقة الكنيسة منذُ الصغر، وتحضرُ الكنيسة في أيام الأعياد برفقة أولاد مدارس الأحد، إلا أنَّها لم تبدِ يوماً اهتماماً حقيقياً بمعنى الأعياد ومغزاها. ولمَّا بلغت من العمر تسع سنوات دُعيتْ لحضور الكنيسة في يوم عيد الفصح، لكنَّها لم تذهب لانشغالها بالتحضير للعيد، والزينة. ولمّا عاد أولاد مدرسة الأحد وأروها صورة يسوع المسيح المقام من بين الأموات شعرتْ أن هذا الأمر لا يعنيها.

تابعت ”تمار“ التي التقيتُها في بيروت مؤخراً قصتها المثيرة ورحلتها في الحياة،  وقالت لي:

”تركتُ المدرسة يا أدما وأنا بعدُ صغيرة، وبدأتُ في العمل باكراً، كما وتزوجت وأنا في السادسةَ عشرة من سركيس زوجي. وكانت في قلبي أشواقٌ كبيرة للعلم والمعرفة وحبٌ جامح لأسبُرَ غورَ العالم الذي يحيط بي. وبعد أن أنجبتُ ابنتي ”ستيفاني“ درست تصميمَ الأزياء والخياطة بالإضافة إلى أعمال الفندقية. وأردتُ أن أكوِّن نفسي بنفسي. وقلتُ إن العلم والمال لا بدَّ أن يأتياني بالسلام والاطمئنان والأمان. وبعد أن ولدتُ ابني ”سرجيو“ سُنحتْ لي فرصةٌ لا سابقةَ لها. إذ وبينما أنا في السوق يوماً، مررتُ بمكان يُعقد فيه احتفالٌ لانتخاب ملكات الجمال. وكان المسؤولون عن الانتخاب بريطانيين. وعندما رأوني عرَضوا عليَّ أن أشتركَ في الترشيح لأنّهم في حاجة إلى فتاة جميلة تحلُّ مكانَ أخرى غائبة. ولاستغرابي الشديد انتُخبْتُ أنا ملكةَ الجمال للعام 93 و94. وعندها انهالتْ عروضاتُ العمل عليَّ من كل حدْبٍ وصوبْ. ودعيتُ لكي أنخرطَ في عرضِ الأزياء والدعايات. وهذا بالضبط ما فعلته. وازداد عملي وتوسَّع،  وصرتُ أسافر كثيراً بسبب ارتباطات العملِ الجديد. لكن بالطبع،  هذا لم يسرّ زوجي سركيس الذي رفضَ أن أنغمسَ في هذه المجالات. أما أنا فازددتُ تعلُّقا بالتصوير والعمل الفني. وبدأ المال يتدفَّق عليَّ من كل مكان. وبعد كل صفقة وجدتُ نفسي أشتري ما أبغيه من ثيابٍ نفيسة وصار لدينا بيتٌ جميل وسيارات كثيرة. إلا أنَّ هذا كلَّه لم يكن كافياً، وشرعت أطلب المزيد. وبينما أنا في رحلة تصوير في مصر، لم أُرِدْ أن أسهرَ في تلك الليلة مع أصدقائي في العمل وقبعْتُ في حجرتي في الفندق وأخذتُ الإنجيل الذي كان بحوزة المسؤول عن العمل ورحت أقرأ فيه. وعندها تكشَّفتْ لي أمورٌ كثيرة. وعرفتُ أنَّني أعيش حياةً لا معنى لها. ومنذُ ذلكَ اليوم والشعورُ بالفراغ راح يلازمني، وأضحَتْ حياتي ثقلاً فوقَ كاهلي، على الرغم من حوزتي على بيتٍ كبير وسيارات كثيرة وخادمات يعتنين بأولادي.

”ومرةً علمتُ عن ابن جيرانٍ لنا أنه قد أصبح مؤمناً إنجيلياً وانقلبَتْ حياتُه رأساً على عقب. فرحتُ أتأمل بقصته وكيف حدث له ذلك. أمَّا زوجي فكان لديه محلٌّ لبيعِ الكحول المنوّعة. ولكن حين افتتحَ المطبعة التي اشتراها انهالتْ علينا الشركاتُ لطباعةِ مختلف الإعلانات. فوظَّفنا فيها هذا الشابَّ المؤمن. وبدأ  يكلِّمنا في كل يوم عن الرب يسوع المسيح المخلص العظيم. وبدأنا كعائلة نستمع إليه. ثم دعانا مرةً لكي نحضر إلى الكنيسة لنتعلم أكثر عن هذا الموضوع. إلا أنني لم أستطع الذهاب مع زوجي والأولاد الذين لبُّوا الدعوة. إذ تلقيتُ عرضاً مغرياً للسفر آنذاك. فذهبت. وإثرَ عودتي أخبرني زوجي والأولاد عن الاجتماع الذي حضروه.

”ولكن لما عرفَ أصدقاءُ زوجي بذلك صاروا يدلُّونه على مزارِ أحد القديسين وأخذونا معهم ليحتفلوا بعيده وبقوا ساعةً كاملة وهم في المغارة يصلّون. فتساءلتُ بنفسي وقلت ماذا يصلُّون؟ ولمَّا خرجنا جميعاً من القدَّاس جاء الرجل المؤمن العامل عندنا في المطبعة وسألَنا لماذا لم نأتِ إلى الكنيسة؟ تعجَّبت من اهتمامِه بنا. فوعدناه بأن نذهبَ في الأحد التالي. وفي ذلك الصباح أحسستُ وكأنَّ هجوماً عنيفاً قد شُنَّ عليَّ، ورأيتُ حياتي وكأنَّها فيلماً يمرُّ أمام عيني. فقلتُ لسركيس: لا أريدُ الذهاب. لكنَّه أرغمني على الذهاب معه إلى الكنيسة. ولما دخلتُ شعرت بنورٍ وهَّاج يسطعُ في داخلي وينيرُ حنايا قلبي. وكانَ الناسُ يرنمون. ولمَّا أعطوني كتاب الترانيم وجدت أنَّ تلك الترانيم كانت تحكي قصةَ حياتي أنا، وأن العالمَ فانٍ. وحالما بدأ القسُ بالكلام شعرتُ أنََّه يحكي عني أنا أيضاً. تكلَّم عن الطمع، عن السيارات، عن عدم الاكتفاء والقناعة. فبكيتُ بحرقة. وقلت في نفسي: إنَّه يتكلم عني أنا،  أنا الطمّاعة التي لا تكتفي. وأعطى مثالاً عن أم فاضلة هي أم جون وسلي التي كانت تسكن في غرفة واحدة مع أولادها التسعة عشر، وتصلي لهم. وتذكَّرت آنذاك كيف أنني عشت مع عائلتي في بيت متواضع. عندها، وجَّه الواعظ الدعوة لكلِّ مَن يبغي نوالَ خلاص نفسه بالوقوف. رفعتُ يدي ووقفت وصلَّيت وبكيت. فغمرني فرحٌ عجيب. وأحسستُ بترحيب الناس بي وأعطوني الإنجيل. فحملت كتابي المقدس ورجعنا إلى البيت. وبدأت رحلتي مع الرب منذ ذلك الحين.

”وشرعت بقراءة كلمة الله في كل يوم مدةَ اثنتي عشرةَ ساعة. وقضيتُ أيامي بالقراءة والصلاة. وفوجئتُ بعد حين أن وصلتِ الموافقة لي من لندن لكي أذهبَ من أجل أداءِ عملٍ فني، وأوقِّع العقد. لكنني رفضت وقلت: كلا لا أريد أن أقوم بمثل هذا العمل البتة من الآن فصاعداً. اتَّهموني عندها بالجنون، واختلال العقل. إلا أنني لم أبالِ بما يقولون.

”وفي أحد الأيام وأنا أقرأ عن ”مثل الزارع“ خفت خوفاً فظيعاً إذ لم أجد نفسي ممثَّلَة بأيةِ تربةٍ تحدَّث عنها. وارتعبتُ وانتابني شكٌّ كبير وخفت أن أكون مرفوضةً عند الله. ولم أعدْ أتأكد من خلاص نفسي. فصلَّيت كثيراً. واستجاب الرب صلاتي. وأراني من كلمته أنني أشبهُ المَثل الذي وجَد فيه التاجرُ لؤلؤةً واحدة كثيرة الثمن فباعَ كلَّ شيء واقتناها. حقاً لقد بعتُ كل شيء من مالٍ وجاهٍ ومركز وفن وأزياء وحياة البذخ والرخاء، لكي أحصل على هذه اللؤلؤة الثمينة التي هي خلاصُ المسيح. فركعت وشكرت الرب. وبينما أنا ساجدة إذا بي أسمع صوتَ شخص يدخلُ الغرفة.  لكنني لم أستطع أن أرفعَ رأسي. وشعرت بيدٍ تربّتُ على كتفي. ولما رفعت نظري رأيت نورَ وجهه الوضَّاء، وشعرَه الأبيض كالثلج، وامتلأ البيتُ من مجد الرب وشعرت أنني غيرُ قادرة على الحِراك حتى أنني لم أجرؤ على رفع وجهي. فقلت في نفسي من أنا لكي تأتي إليَّ؟ فأجابني بحنان وقال: أنا معك لا تخافي. وكرَّر ذلك ثلاث مرات وغمرني وحضنني. ولمَّا أخبرت الناس عمَّا حصل معي ظنُّوا أنَّهُ أصابَني مسٌّ من الجنون. لكنَّني لم أهتم. بل شعرتُ بوجود الرب معي لثلاث أشهر متتالية. وكان هذا بمثابة رادعٍ لي يحميني من نفسي والعالمِ من حولي. وتدرَّبت في حياة الإيمان منذ العام 1997 وحتى الآن. وصرت أنا وعائلتي نعيش للرب يسوع المسيح ونخدمه أنا وزوجي - الذي كان قبلاً كاتباً وملحِّناً للأغاني العالمية - عن طريق الترنيم والتسبيح. وحوَّل غناءَ العالم وطربَهُ إلى تسبيح وحمد لاسمه العظيم. أما آيتي المفضلة يا أخت أدما فهي: ”مع المسيح صُلبت. فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ“. وترنيمتي التي أحبُّها هي بعنوان: يا ما شي عَ درب الخطية عَ مهْلَك..

”نعم، ربحتُ المسيح وخسرتُ العالم الممثَّل برفاقِ الفنِّ والأزياء. كما ربحتُ أهلي للمسيح، فلقد تجاوبوا هم أيضاً مع دعوة الرب وصاروا من عائلته المقدسة. له كلّ مجد وحمدٍ على الدوام“.

 الأخت تمار دياربي

زوجة المرنم سركيس دياربي

المجموعة: 200805

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

441 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10554434