Voice of Preaching the Gospel

vopg

تشرين الثاني (نوفمبر) 2008

في الأفراحِ والأتراح، في السرَّاء والضرَّاء، في الصحة والمرض، في الولادةِ والموت، في السِّعَةِ والضيق، في البحبوحةِ والشدة، في المسرَّاتِ والأزمات، في السَّعدِ والألم، في الرَّخاء والخواء، في النعمةِ والنقمةِ، في الصَّفاءِ والجفاء، في البناءِ والهدمِ، في الضَّحكِ والبكاء، في الرقصِ والنوح، في الكسبِ والخسارة، في الحبِّ والبُغضة، في الصلحِ والحرب، في كلِّ الظروف، السهلةِ منها والصعبة، ماذا تُرانا نقول؟ وما هي الكلماتُ التي ننطِقُ بها؟
نظَرتِ العروسُ إلى عريسها بعينينِ مغرورقتينِ بالدموع، فبادَلَها هو النظراتِ عينِها بكلِّ لهفةٍ وحب، بعد أنِ انتهيا من أداءِ التعهُّدات أمامَ الحشد الكبيرِ في الكنيسة.

وراحا يستمعانِ بكل جوارحهما إلى ترنيمتهما المفضلة التي انتقياها لتُرنَّمَ في حفل زفافهما، وهي تُنشَدُ بكلِّ فرحٍ وحماسٍ من قِبَلِ المحتفلين. وكان كلَّما فاهَ الجمهور بعدد من الترنيمة،  كلَّما غاصَ كلاهُما في بحرٍ من السعادة والبهجة لا تعبِّر عنها الكلماتُ بل النظراتُ الدافئة. قال المرنمون:Great Is Thy Faithfulness  للملحِّن: William Runyan.  
شهدْتُ وزوجي هذا الحدَث في أول عرسٍ لنا هنا في أميركا، حضرْناه إبَّانَ هجرتِنا إليها منذُ خمسٍ وعشرين سنة، عرسٍ دُعينا إليه في كنيسة أمريكية في شمالي كاليفورنيا حيث أقمنا. قلتُ عندها لزوجي: لكَم أحسنَ هذان  العريسان الاختيارَ بالحق، وما أجملَ أن يشهدا في زفافهما هذا عن وفاءِ الله العظيم لهما. وقد وقع نظري على ترجمةٍ بليغة بالعربية لهذه الترنيمة القديمة جداً في التُراث الإنجيلي إذ تقول:
 وفاؤكَ عظيمْ، وفاؤكَ عظيمْ كلَّ صباحٍ  وفيرٌ جديدْ
كلُّ إعوازي أعدَّتْ لي يدُكْ   سامٍ وفاؤك لي ومجيدْ
ترى، هل في الفرحِ والسرَّاء؟ أم في التَّرَح والضِّرَّاء أيضاً؟ وقفتُ في الأسبوع الماضي مندهشةً ومستغربةً من كلماتٍ مليئةٍ بالعِبَر والعَبَرات لأحدِ الأطباء عبر الانترنت، وهي تخرجُ من فمه متحشرجةً بينما كان يتكلمُ في جنازة أخيه، الذي انتقلَ إلى حضرة الرب بشكلٍ مفاجئ عن عمرٍ يناهزُ الثانية والأربعين. وقف يقول والألم يعتصرُ قلبه والحزنُ يرتسم على وجهه، ما معناه: إن الشيءَ الذي أريده منكم يا أحبائي يا من شاركتمونا في هذا الخطْبِ الجسيم، والفقدانِ الأليم هو بألاَّ يخطئَ أحد منكم فينسِبَ كلمةَ لومٍ قطُّ، للرب يسوع المسيح الذي أحبَّه أخي،  وخدَمه بكل جوارحِه. إيَّاكم يا أحبائي أن تفوهوا بكلمة تُحزنوا بها قلبَ أخي الراقد. أجل بهذه الكلمات التي كانت بمثابة تمنٍّ  وترجٍّ  من الجموع المحتشدة في حفل الجنازة ووداع الأخ الحبيب، توجَّه الأخُ الأكبر إلى الناس المؤمنين وغير المؤمنين.
 بالحق، ما أعظمَها من كلمات في هذا الخطب الجلَلْ، ورغم الشعورِ بالفقدان الكبير. وسمعتُ إحداهن تعلِّق وتقول: إنَّ إيمانَه عظيم. فمَنْ يقدر أن يفوه بهذه الكلمات وهو في هذا الحزن الشديد؟ ومرةً أخرى راحت كلمات الترنيمة "وفاؤك عظيم"  تتراقصُ في مخيِّلتي، وتتراءى أمام ناظري من جديد. وتذكَّرتُ كلمات الوحي المقدس على لسان الرسول بولس إلى أهل رومية حين قال:
"يا لَعمقِ غنى الله وحكمتِه وعلمِه. ما أبعدَ أحكامَه عن الفحص وطرقَه عن الاستقصاء. لأنْ مَن عرف فكرَ الرب أو من صارَ له مشيراً... لأنَّ منه وبه وله كلُّ الأشياء..." (1كورنثوس33:11-36).
الحياة يا قارئي فيها من الحلوِ والمُرّ الكثير. فيها من أيامِ السعد وأيامِ الشؤمِ الوفير. ولا يخلو قطُّ دارٌ من ظروفٍ رحيمة وأخرى أليمة. أما فحوى الكلام ومغزاه فهو: ما هو موقفُنا نحن من أفراحِ الدهر وأتراحِه، من حياةِ السِّعة أو حياةِ العوَز والحاجة؟ يقول صاحبُ المزامير في مزموره المائة:
"اهتفي للربِّ يا كلَّ الأرض. اعبدوا الرب بفرحٍ. ادخلوا إلى حضرته بترنُّم. اعلموا أنَّ الربَّ هو الله. هو صنعنا وله نحنُ شعبُه وغنمُ مرعاه. ادخلوا أبوابَه بحمد، دياره بالتسبيح احمدوه باركوا اسمه. لأن الرب صالح. إلى الأبد رحمته. وإلى دَوْر فدور أمانتُه."
هو الله الذي صنعني أنا وصنعكِ أنتِ وصنعَكَ أنتَ. وإذا كنتَ حقاً من أولاده فأنتَ من شعبه وغنم مرعاه. فهل يُعقل أن يئنّ خروفٌ ولا يسمعه الراعي؟ أو يتألمُ دون أن يمدَّ له اليدَ الحانية وينظرَ إليه نظرةَ الأم الرؤوم؟ هو صالحٌ بالحق ورحمتُه إلى الأبد وإلى دور فدور أمانته.
قال أحدُ الكتَّاب المعروفين واسمه Oswald Chambers وكأنِّي به يضع يده على قلب كل إنسانٍ غيرِ شاكر ليقول: إن إرادة الرب لحياتك يا صديقي المؤمن هي الإرادةُ الأكثرُ سروراً وبهجةً، التي تزدان بريقاً ولمعاناً، وهي بالتالي الشيءُ الممكنُ إدراكُه، ومع هذا نجد البعضَ منا يقول متأوِّهاً: إنها إرادة الله فماذا تُرانا نفعل؟! وكأنَّ إرادة الله في حياتنا أضحتِ المصيبة الكبرى التي وقعتْ علينا. وما ننفكُّ أن نصبح من المؤمنين المتذمرين الذين يتكلمون بطريقة غير صحيحة عن المعاناة بسبب إرادة الله في حياتنا. فأين فعالية وقوةُ ابنِ الله في حياتنا؟
إنَّ الشكرَ الحقيقي يا قارئي ليس هو بسبب ما نملكُه، كلا.. بل إنَّ الشكر الحقيقي هو الموقف الذي نتخذه في الآلام والأوهام، عند الضعف وفناء القوة، في الويلات والمُلمَّات، في فقدان الحبيب، أو موت الصديق. أجل في هذه كلها هل نتذمَّر أم نشكر على كل شيء وفي كل شيء؟
قرأ القس على مسامعنا ذاتَ يوم، ما كتبه أحدُهم معبِّراً عمَّا يريده في الحياة فقال: كان الفصلُ ربيعاً، لكنَّني أردتُ أن يأتي الصيف. ولمَّا أتى فصل الصيف قلتُ إنما هو الخريف الذي أبغيهِ. وفي الخريف قلتُ لا،  بل هو الشتاءُ الذي أريد. وعندما نزلتِ الأمطارُ وهبطتِ الحرارةُ وأتى الصقيع، قلت في نفسي كلاَّ بل إنَّه الربيع الذي أرغبُه.
أما عن العمر والسنين فلقد كتب الشخص نفسه معبراً عن رغبته في الحياة فقال: لمَّا كنت طفلاً حلمتُ باليوم الذي أُصبح فيه شاباً يافعاً. ولمَّا أضحيتُ في عمر الزهور، قلت لا، بل هو النضج والرجولة اللذان أريدُهما، والعائلة التي أتوقُ إلى تكوينها. وبعد تحقيق أمنيتي هذه وجدتُ نفسي وقد أصبحتُ رجلاً ذا مسؤولياتٍ كثيرة فرغبتُ في التقاعد. وعند التقاعد قلتُ: ليتني أعود إلى الشباب من جديد. والآن وأنا على باب الشيخوخة، أقول وبكل أسف، إنني لم أحصلْ قطُّ على ما أردته في حياتي.
وأنت صديقي القارئ، أتسبِّح مع المرنم، وتهتف مع كل الأرض، عالماً أنَّ الله الخالق هو الذي صنعك وأنشأكَ وهو يرعاكَ كما يرعى الراعي الخراف؟ أم تئنُّ وتتذمّر لأنك لم تنلْ قطُّ ما خططتُه لنفسك في الحياة؟ تذكَّر أنَّ إرادة الله هي الصالحة والمرضية والكاملة في حياتك. فحبَّذا لو أنكَ تنخرطُ في التسبيح مع بولس وسيلا اللذين لم يتوقَّفا عن الترنيم والشكر حتى وهما في أعماقِ السجن. وحريٌّ بك أن تشترك مع النبي إرميا الذي وبالرغم من أنَّه لُقِّب بالنبي الباكي، إلا أنَّه فاه في المراثي وقال: أردِّد هذا في قلبي من أجل ذلك أرجو. أنَّه من إحسانات الرب أنَّنا لم نفنَ. لأنَّ مراحمَه لا تزول. هي جديدةٌ في كلِّ صباح. كثيرةٌ أمانتُك... طيب هو الرب للذين يترجونه للنفس التي تطلبه. (مراثي إرميا 21:3-25)
أجل يا قارئي:
فاقت أمانة ربي الأوصاف
    لا تتغيَّر  ولا  تَحُولْ
دوماً  يجدِّد   لنا الألطافَ    
لا تتبدَّلُ    ولا تزولْ
وفاؤك عظيم وفاؤك عظيم
   كلَّ صباحٍ وفيرٌ جديد
كلُّ إعوازي أعدَّتْ لي يدُكْ  
سامٍ وفاؤك لي ومجيدْ
 

المجموعة: 200811

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

138 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10477080