Voice of Preaching the Gospel

vopg

تشرين الأول (أكتوبر) 2008

كانت العبادة في عهد الناموس مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالذبائح والتقدمات بل كانت تلك عمادها ومستندها. وما تجهيزات خيمة الاجتماع ومن ثم هيكل أورشليم إلا أدوات لإجراء تلك الفرائض في شروطها ونظامها، واستقبال تلك الرفائع والتقدمات مرتبة حسب النوعية والزمان والمكان!

فقد أوحى الرب بذلك لشعبه القديم لكي يحفظها ويقدسها فلا يفرّط أحد في شيء منها صغيراً كان أم كبيراً!
ولا جدال، فإن صورة الدم كانت واضحة في التاريخ المقدس منذ ذبيحة هابيل، بل قبل ذلك في أقمصة الجلد التي صنعها الله لآدم وحواء... لكن تحوّلاً نوعياً حدث في عهد الناموس، فمقولة العهد القديم حول هذا الموضوع كانت دقيقة ومحددة ”فالمكان الذي يختاره الرب إلهكم ليحلّ اسمه فيه تحملون إليه كل ما أنا أوصيكم به: محرقاتكم، وذبائحكم، وعشوركم، ورفائع أيديكم، وكل خيار نذوركم التي تنذرونها للرب“ (تثنية 11:12).
وقد قصد الله بتلك الذبائح المتنوّعة والتقدمات المفصّلة مع نظام العبادة وشعائرها أن يحفظ الشعب في طاعة وصاياه كي يعملوها من كل قلوبهم فتكون جزءاً من حياة القداسة والخضوع لمشيئته وقصده الصالح... إلى جانب أنها كانت في الأصل رموزاً متكررة للذبيحة العظمى ذبيحة الرب يسوع الكفارية على الصليب، ورمزاً لطاعته القصوى التي أظهرها بقبول الآلام والصلب بمسرّة ورضى لتحقيق مشيئة الآب السماوي والتي صارت أمثلة حية للمؤمنين بيسوع يقتدون بها في حياتهم الروحية.
ولكن تلك الشعائر كانت قد تحوّلت بالنسبة لغالبية الشعب القديم إلى مجرّد مظاهر شكلية تمارس بطريق التقليد والعادة كفرائض لا تأثير لها على حياة ممارسيها ولا سيما في أوقات الفتور العام والابتعاد عن الله.
فالبعض صار يقدّمها حين يحتاج لمعونة خاصة كي تخصب أرضه أو يتخلّص من أعدائه بينما  الأكثرية ساعية خلف العبادات الوثنية والممارسات الخاطئة.
والبعض الآخر كان يشعر وكأن الله محتاج لتلك التقدمات والذبائح وهم يقايضونه بها فيستردّون عوضاً عنها خيراً مادياً وحياة سعيدة!
واعتبرها آخرون مجرّد فرائض وتعاويذ يتّقون بها غضب الله وعقوباته!
وآخرون اعتبروها مطالب لا قبل لهم بتحمّلها ولا فائدة من الوفاء بها فحاولوا نسيانها ”فيقولون لله: ابعد عنا وبمعرفة طرقك لا نُسرّ. من هو القدير حتى نعبده وماذا ننتفع إن التمسناه؟“ (أيوب 14:21-15).
وتمادى آخرون في الرفض حيث اعتبروا أن عبادة الله وحفظ شعائره تزيد من نكباتهم ومصائبهم. ونرى هذا في جواب الذين هربوا إلى مصر بعد السبي الذي أقدم عليه نبوخذنصر في أيام إرميا النبي حيث كلمهم بكلام الرب فأجابوه:
”إِنَّنَا لاَ نَسْمَعُ لَكَ الْكَلِمَةَ الَّتِي كَلَّمْتَنَا بِهَا بِاسْمِ الرَّبِّ، بَلْ سَنَعْمَلُ كُلَّ أَمْرٍ خَرَجَ مِنْ فَمِنَا، فَنُبَخِّرُ لِمَلِكَةِ السَّمَاوَاتِ، وَنَسْكُبُ لَهَا سَكَائِبَ. كَمَا فَعَلْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا وَمُلُوكُنَا وَرُؤَسَاؤُنَا فِي أَرْضِ يَهُوذَا وَفِي شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ، فَشَبِعْنَا خُبْزًا وَكُنَّا بِخَيْرٍ وَلَمْ نَرَ شَرًّا. وَلكِنْ مِنْ حِينَ كَفَفْنَا عَنِ التَّبْخِيرِ لِمَلِكَةِ السَّمَاوَاتِ وَسَكْبِ سَكَائِبَ لَهَا، احْتَجْنَا إِلَى كُلٍّ، وَفَنِينَا بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ“ (إرميا 16:44-18).
فهل بعد هذا الانحطاط الروحي يوجد انحطاط؟!!
ولذا فحتى الفرائض الإلهية والشعائر المقدسة تتشوّه حين تُقدَّم  بيد الإنسان نظراً لما هو فيه من دنس الخطية بعد السقوط. فالبعض يقدمّها للتظاهر، وغيرهم رياء، وآخرون للتكسّب والحصول على المدح، وهكذا... وهذا ما جعل الرب يرفض تلك الذبائح والتقدمات التي كانت تقدَّم من حين لآخر كما قال في نبوءة إشعياء:
”لِمَاذَا لِي كَثْرَةُ ذَبَائِحِكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. اتَّخَمْتُ مِنْ مُحْرَقَاتِ كِبَاشٍ وَشَحْمِ مُسَمَّنَاتٍ، وَبِدَمِ عُجُول وَخِرْفَانٍ وَتُيُوسٍ مَا أُسَرُّ. حِينَمَا تَأْتُونَ لِتَظْهَرُوا أَمَامِي، مَنْ طَلَبَ هذَا مِنْ أَيْدِيكُمْ أَنْ تَدُوسُوا دُورِي؟ لاَ تَعُودُوا تَأْتُونَ بِتَقْدِمَةٍ بَاطِلَةٍ. الْبَخُورُ هُوَ مَكْرَهَةٌ لِي. رَأْسُ الشَّهْرِ وَالسَّبْتُ وَنِدَاءُ الْمَحْفَلِ. لَسْتُ أُطِيقُ الإِثْمَ وَالاعْتِكَافَ. رُؤُوسُ شُهُورِكُمْ وَأَعْيَادُكُمْ بَغَضَتْهَا نَفْسِي. صَارَتْ عَلَيَّ ثِقْلاً. مَلِلْتُ حَمْلَهَا“ (إشعياء 11:1-14).
وعاد الرب فرفض حتى الهيكل الأرضي الذي تُقدَّم فيه الذبائح ”أَيْنَ الْبَيْتُ الَّذِي تَبْنُونَ لِي؟ وَأَيْنَ مَكَانُ رَاحَتِي؟“ (إشعياء 1:66). وأصرّ على رفض كل الذبائح والتقدمات الناموسية معلناً حكمه النهائي على فشل الإنسان في كل مساعيه وحتى الرامية إلى تطبيق الشريعة ”مَنْ يَذْبَحُ ثَوْرًا فَهُوَ قَاتِلُ إِنْسَانٍ. مَنْ يَذْبَحُ شَاةً فَهُوَ نَاحِرُ كَلْبٍ. مَنْ يُصْعِدُ تَقْدِمَةً يُصْعِدُ دَمَ خِنْزِيرٍ. مَنْ أَحْرَقَ لُبَانًا فَهُوَ مُبَارِكٌ وَثَنًا. بَلْ هُمُ اخْتَارُوا طُرُقَهُمْ، وَبِمَكْرَهَاتِهِمْ سُرَّتْ أَنْفُسُهُمْ“ (إشعياء 3:66).
ويتنبأ إشعياء بالروح القدس مبيناً هذا التحوّل: ”فَرَأَى [الله] أَنَّهُ لَيْسَ إِنْسَانٌ، وَتَحَيَّرَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ شَفِيعٌ. فَخَلَّصَتْ ذِرَاعُهُ لِنَفْسِهِ، وَبِرُّهُ هُوَ عَضَدَهُ“ (إشعياء 16:59). فقد عرف الله بسابق علمه ما سيكون من حال بني البشر بعد السقوط، فهيّأ في المشورات الأزلية عملية الفداء بشخص الرب يسوع المسيح ”وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ“ (غلاطية 4:4-5). ويقول الرسول بطرس: ”مَعْرُوفًا سَابِقًا قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، وَلكِنْ قَدْ أُظْهِرَ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ“ (1بطرس 20:1). فقد أبطل المسيح، له كل المجد، بموته على الصليب كل الذبائح والمحرقات التي كانت مجرّد رموز إلى تلك الذبيحة الكاملة وذات القيمة غير المحدودة، فالذين خلصوا في القديم على أساس الإيمان بالرمز حُسب لهم ذلك كأنه إيمان بالمرموز إليه، ولكن بعد ذبيحة يسوع لا توجد ذبيحة أخرى مقبولة في نظر الله لأن الرب يسوع المسيح قد استبدلها جميعاً بذبيحة نفسه التي قدّم فيها لبني البشر كل عناصر الرحمة، والمحبة، والمسامحة بدلاً من تحذيرات الوصية وتوبيخات الناموس. ويؤكد ذلك الرسول بولس في رسالته إلى أهل رومية الأصحاح الثامن مبيناً أن الناموس بكل قدسيته وصلاحه لم يستطع أن يؤثر في أعماق القلب البشري الملوّث بالخطيئة فينزع الشر من الداخل، ولكن الحب الإلهي الذي أبداه المسيح في الصليب استطاع أن يكسر القلوب الحجرية فحقق بنعمة المحبة ما لم تحققه نقمة الوصية ”لأَنَّ نَامُوسَ رُوحِ الْحَيَاةِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَدْ أَعْتَقَنِي مِنْ نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ وَالْمَوْتِ. لأَنَّهُ مَا كَانَ النَّامُوسُ عَاجِزًا عَنْهُ، فِي مَا كَانَ ضَعِيفًا بِالْجَسَدِ، فَاللهُ إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ الْخَطِيَّةِ، وَلأَجْلِ الْخَطِيَّةِ، دَانَ الْخَطِيَّةَ فِي الْجَسَدِ، لِكَيْ يَتِمَّ حُكْمُ النَّامُوسِ فِينَا، نَحْنُ السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ“ (رومية 2:8-4).
وهنا يفسر كيف أن الناموس جاء لكي يعلن قصاص الله على الخطية وأن نقمة الناموس وقعت على جسد يسوع المصلوب لكي نُعفى نحن الذين قبلنا موت المسيح الكفاري بديلاً عنا فنخلص من عقاب خطايانا.
(يتبع في العدد القادم)

المجموعة: 200810

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

626 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10539730