Voice of Preaching the Gospel

vopg

كانون الأول December 2010

حضرت مرّة فيلمًا سينمائيًا وكان بعنوان: «أطول يوم في التاريخ»، ويحكي قصة اليوم الطويل والمعروف بـ D-day، والذي بدأ فيه الحلفاء انتصارهم الحاسم على النازية، عندما نزلت جيوشهم على ساحل النورماندي في شمال فرنسا. وفعلاً كان ذلك اليوم يومًا طويلاً ومثيرًا للغاية، يحبس فيه مُشاهد الفيلم أنفاسه، طيلة مراحل العرض.
 
 لكن هل تعلم قارئي أنه يوجد في التاريخ البشري ما هو أعظم وأطول بكثير من D-day؟ إنها الفترة الطويلة الممتدة، والتي استمرت لآلاف السنين، منذ سقوط الإنسان إلى تحقّق الوعد بمجيء الملك والمخلص يسوع المسيح. وكانت هذه الفترة في نفس الوقت أطول انتظار عرفته البشرية في تاريخها.
 
 لقد بدأت هذه الفترة منذ فجر التاريخ عندما وعد الله أنه سيأتي من نسل آدم من يسحق رأس الحيّة، أي الشيطان. قال الله للحيّة: "وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ" (تكوين15:3). وبالطبع إن المقصود هنا بالذي يسحق رأس الحيّة الشيطان، هو الرب يسوع المسيح.
 
 وتكرر الوعد، بوعد الله لإبراهيم أنه: "يَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ" (تكوين 18:22). وقد شرح لنا الرسول بولس فيما بعد أن المقصود بالنسل هنا هو الرب يسوع المسيح: "وَأَمَّا الْمَوَاعِيدُ فَقِيلَتْ فِي إِبْرَاهِيمَ وَفِي نَسْلِهِ. لاَ يَقُولُ: وَفِي الأَنْسَالِ كَأَنَّهُ عَنْ كَثِيرِينَ، بَلْ كَأَنَّهُ عَنْ وَاحِدٍ: وَفِي نَسْلِكَ الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ" (غلاطية 16:3). وكان الله قد قطع عهدًا مع إبراهيم بأن يجعله أبًا لجمهور من الأمم، ولهذا أبدل اسمه من أبرام إلى إبراهيم. قال الله لإبراهيم: "أَمَّا أَنَا فَهُوَذَا عَهْدِي مَعَكَ، وَتَكُونُ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ، فَلاَ يُدْعَى اسْمُكَ بَعْدُ أَبْرَامَ بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ، لأَنِّي أَجْعَلُكَ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ" (تكوين4:17). ففي المسيح تباركت جميع أمم الأرض، وصار إبراهيم أبًا لجميع المؤمنين من كل الشعوب والأمم والألسنة.
 
 وتنبأ موسى عن النبي الذي سيرسله الله "يُقِيمُ لَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِكَ مِنْ إِخْوَتِكَ مِثْلِي. لَهُ تَسْمَعُونَ" (تثنية 15:18). وشرح لنا الرسول بطرس فيما بعد أن المقصود بهذا النبي هو الرب يسوع المسيح (راجع أعمال الرسل 20:3-23).
 
 ثم وعد الله الملك والنبي داود على لسان النبي ناثان، أنه من نسله سيأتي الملك الذي يجلس على كرسيّه، ويثبّت مملكته إلى الأبد. "مَتَى كَمُلَتْ أَيَّامُكَ وَاضْطَجَعْتَ مَعَ آبَائِكَ، أُقِيمُ بَعْدَكَ نَسْلَكَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَحْشَائِكَ وَأُثَبِّتُ مَمْلَكَتَهُ. هُوَ يَبْنِي بَيْتًا لاسْمِي، وَأَنَا أُثَبِّتُ كُرْسِيَّ مَمْلَكَتِهِ إِلَى الأَبَدِ" (2صموئيل 12:7-13). وعاد النبي إشعياء وأكد في معرض نبوءته عن ولادة المسيح الملك والمخلص، هذه الحقيقة، فكتب قائلاً عن المسيح: "لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ، وَلِلسَّلاَمِ لاَ نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ، لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ، مِنَ الآنَ إِلَى الأَبَدِ" (إشعياء 7:9).
 
 ولهذا لم يكن غريبًا أن يبشّر الملاك العذراء مريم قائلاً: "لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ. وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ" (لوقا 30:1-33). أي أن الطفل يسوع الذي سيولد هو الملك الذي سيجلس على كرسي داود بحسب وعد الله، وسيملك إلى الأبد، ولن يكون لملكه نهاية. وعاد الرسول بطرس وشرح في موعظته الشهيرة يوم الخمسين، عن كيفية تحقق هذا الوعد، فأكد بأن المسيح قد جلس فعلاً على كرسي داود بقيامته الظافرة من بين الأموات. (راجع أعمال الرسل 29:2-32).
 
 وتنبأ أنبياء العهد القديم واحدًا تلو الآخر عن مجيء الملك المخلّص. ومضت آلاف السنين وحصلت أحداث تاريخية كثيرة. وتمّ القضاء على مملكة إسرائيل في الشمال. وذهب الشعب في مملكة يهوذا إلى السبي، ثم عاد قسم منه من السبي. وفي تلك الفترة وقع الشعب تحت احتلال أربع ممالك متتالية إلى مجيء المسيح، كما تنبأ النبي دانيآل. وكانت هناك فترة صَمَتَ فيها الوحي لمدة أربعمئة سنة. غزا خلالها أنطيوخوس أبيفانس - الذي كان ملكًا على سورية - أورشليم ونجّس الهيكل. وهكذا طال الانتظار وطال لآلاف السنين، ولم يتحقق الوعد.
 
 أجل، لقد كانت الفترة بين وعد الله بمجيء الملك المخلص وإتمام هذا الوعد، هي أطول فترة انتظار عرفته البشرية. لكن لله خطّته المعينة المعدّة منذ الأزل لخلاص الإنسان. ولهذا قال الرسول بولس أنه: "لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ..." (غلاطية 4:4). أي في الوقت المحدد، أرسل الله الملك المخلص المسيح. ولقد أعلن الرب المسيح عندما بدأ خدمته قائلاً: "قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللهِ" (مرقس 15:1).
 
 وأخيراً وبعد أطول فترة انتظار عرفته البشرية تحقق الوعد ووُلد الملك والمخلص المنتظر المسيح. ولقد قاد الروح القدس عندئذ سمعان الشيخ إلى الهيكل. وعندما رأى الصبي يسوع، أخذه على ذراعيه وبارك الله وقال: "الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ، الَّذِي أَعْدَدْتَهُ قُدَّامَ وَجْهِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. نُورَ إِعْلاَنٍ لِلأُمَمِ، وَمَجْدًا لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ" (لوقا 29:2-32).
 نعم، لقد تحقق الوعد وأتى الملك المخلص الموعود به منذ فجر التاريخ، وتمّم كل مواعيد الله القديمة المتعلقة به. ولهذا نجد الرب يسوع المسيح يقول لتلاميذه قبل صعوده إلى السماء: "هذَا هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ وَأَنَا بَعْدُ مَعَكُمْ: أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ. حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ" (لوقا 44:24-45). ولنلاحظ قول المسيح: "أنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جميع ما هو مكتوب عني"، أي أن الرب يسوع المسيح قد تمّم بمجيئه كل ما هو مكتوب عنه. وعندها فتح المسيح أذهان التلاميذ لكي يفهموا كتب العهد القديم، على ضوء العهد الجديد الذي أقامه بعمله الكفاري على الصليب، وقيامته الظافرة من بين الأموات.
 
 لا بل أكثر من ذلك، فلقد أكد الرسول بطرس قائلاً:
 
 "وَجَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ أَيْضًا مِنْ صَمُوئِيلَ فَمَا بَعْدَهُ، جَمِيعُ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا، سَبَقُوا وَأَنْبَأُوا بِهذِهِ الأَيَّامِ. أَنْتُمْ أَبْنَاءُ الأَنْبِيَاءِ، وَالْعَهْدِ الَّذِي عَاهَدَ بِهِ اللهُ آبَاءَنَا قَائِلاً لإِبْراهِيمَ: وَبِنَسْلِكَ تَتَبَارَكُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ. إِلَيْكُمْ أَوَّلاً، إِذْ أَقَامَ اللهُ فَتَاهُ يَسُوعَ، أَرْسَلَهُ يُبَارِكُكُمْ بِرَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَنْ شُرُورِهِ" (أعمال 24:3-26).
  
 إذن، إن جميع الأنبياء قد تنبأوا بهذه الأيام، أي بعصر المسيح الملك والمخلص. وبالتالي تمّ الوعد لإبراهيم: أن بنسله تتبارك جميع قبائل الأرض. مع العلم أن هذه البركة قد بدأت أولاً بالشعب القديم. صحيح أن هذا الشعب كان ينتظر المسيح ويتوقعه ملكًا أرضيًا، يملك على مملكة أرضية. لكن خطة الله منذ البداية، كما اتضح في العهد الجديد، لم يكن هدفها هذا الأمر البتة، فالله لم يعدّل من خطته أو يبدّلها، أو حتى يؤجّلها إلى عصر آخر في المستقبل، كما قد يظن البعض. لقد تمّم الرب يسوع المسيح في مجيئه، كل وعوده للشعب القديم، وكل ما تنبأ عنه أنبياء العهد القديم، وحقّق في نفس الوقت خطة الله الأزلية لفداء الإنسان، وبدأ ملكوت الله.
 
 أجل، وبالرغم من فترة الانتظار الطويلة جدًا، تحقق أخيرًا الوعد، ووُلد المسيح الملك والمخلص. فلنشكر الله - ونحن نحتفل بهذه الذكرى العظيمة - على هدية السماء الثمينة لنا نحن البشر الخطاة.

المجموعة: 201012

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

214 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10561645