Voice of Preaching the Gospel

vopg

أيار May 2011

المرارة... كعضو في جسم الإنسان، هي عبارة عن كيس - وظيفته فقط تخزين العصارة المرارية الآتية إليه من الكبد، ثم ضخها مرة أخرى إلى الأمعاء وقت اللزوم - ولكن يا ترى، ماذا يحدث لو احتفظت الغدة المرارية بالعصارة داخلها لأي سبب من الأسباب ولم تفرزها؟ سوف تتمدد وتنتفخ ومن الممكن أن تنفجر إن لم نسرع ونستأصلها!

والمرارة من الناحية الشعورية هى مشاعر تراكمت، مشاعر من الحنق، والسخط، والغضب، وحب الانتقام، بل هي انتقام مخنوق، لم يكتب له الخروج إلى حيز التنفيذ.

 

ولأن إبليس مخلوق ذكي، فهو يعرف كيف يستخدم مقومات المرارة داخلنا لتكون أدوات خاصة له ليقتلنا بها فيما بعد. وهو مخلوق ذكي أيضًا لأنه يعرف كيف يختار ضحاياه، ويعدّ الخطية المناسبة لكل ضحية، والعجيب أن يكون ضحاياه في موضوع المرارة هم هؤلاء الأشخاص الباحثين عن السلوك بالأمانة وسط هذا العالم المتقلب؛ هؤلاء الذين يتميزون بالحس المفرط والمشاعر النبيلة، فيحوّل تلك الصفات النبيلة إلى أدوات تتلقى بها مشاعر الحنق والحسد والحقد والأسى. فهم أناسًا في معظم الأحوال لا يريدون أن يظلموا أحدًا وبالتالي لا يوافقون على أن يظلمهم أحد. ولكن تقع المأساة عندما يقع عليهم ظلمًا من شخص ما، أو يُجرحون من قبل شخص ما، فيكون رد فعلهم المبدئي دائمًا هو محاولة عدم رد الإساءة بالإساءة؛ ذلك لأنهم كما قلت يريدون أن يعيشوا في سلام وبدون أن يسيئوا إلى أحد. ولكن فيما بعد قد يعقب فعل الظلم الأول جرح أخر، أو قد يقوم الشخص المظلوم نفسه بتضخيم نفس الفعل الأول وذلك بإعادة التفكير فيه. ومهما كان الباعث فإننا نجد هذا الشخص وقد دخل في دائرة تبدأ بالغيظ المكتوم، وتنتهي بالرغبة المحبوسة للانتقام، وهي محبوسة إما لعدم قدرته على تنفيذ هذا الانتقام، أو إلى وجود نوع من الحكمة قد يمتلكها، أو لاحتفاظه بقدر من الشفافية في علاقاته بالله ومراعاته إياه في أمور حياته. ومهما كان الأمر، ففي النهاية نجد أن المرارة قد أخذت شكلها في قلبه.

حينئذ تبدأ آثار المرارة تظهر على الإنسان نفسه، فيأخذ بمراجعة حساباته نحو الذين حوله، فنراه وهو يشرع في إقامة سور بينه وبين كل من أساءوا إليه، سور يقيمه ظنًا منه أنه يقيه خطر التعرض للإساءة مرة أخرى. ثم لا يلبث أن يمتد هذا السور ليشمل دائرة أوسع تضم العديد من الأصدقاء المقربين، الذي راح يشك أنهم قد يصيرون في يوم ما مصدرًا لإيذائه، بل قد تمتد هذه الدائرة لتشمل حتى أقرب الأقارب. إنها دائرة فقدان الثقة وتجعله يتوقع التعرّض للجرح مرة أخرى من المحيطين به. وفي النهاية نجد أن هذا الشخص المجروح لم يعد يحتفظ إلا بفئة قليلة جدًا حوله، وغالبًا ما يكون هؤلاء سببًا في تقوية هذه الأسوار بينه وبين الآخرين. وهذا ما يزيد المشكلة سوءًا. ولكن المحزن في الأمر أن هذا السور العازل يمتد أحيانًا ليشمل الرب نفسه؛ ويمتلئ الإنسان بمشاعر المرارة تجاه الله - هذا الإله الذي كان ينتظره ليحقّق له الانتقام من الشخص الظالم - ولكنه تأخر عنه ولم ينصفه (من وجهة نظره)، فنجده يفقد الثقة في أمانة الله وفي قدرته، وهكذا ينجح إبليس في أن يفقده سلامه مع الله، ويعزله عن إخوته، ويصبح سجينًا في سجن صنعه هو بنفسه.

يحدثنا الكتاب المقدس في سفر الأمثال عن أسوار الحماية هذه قائلاً:

"الأخ أمنع من مدينة حصينة والمخاصمات كعارضة قلعة" (أمثال 19:18). جاءت هذه الآية بالإنجليزية بصورة أوضح قليلاً. ففي ترجمة KJV جاءت كالتالي:

" A brother offended is harder to be won than a strong city: and their contentions are like the bars of a castle.

هذا معناه أن إرضاء الأخ المُتأذّى أصعب من قهر مدينة حصينة. ولكن لماذا؟ لماذا يكون إرضاء الأخ المؤمن المجروح أصعب من قهر مدينة حصينة؟

الجواب هو في هذه الأسوار العظيمة التي نقيمها حول أنفسنا. إنها أسوار عدم الغفران. فيا لها من أسوار حصينة حقًا! تشبه أسوار مدينة حصينة، ذات أبواب حصينة، وقف عليها حراس ساهرون عملهم هو منع فئتين من الناس: الفئة الأولى: كل من يشكل خطرًا على المدينة. الفئة الثانية: كل من تثبت الأيام أنه مديون لصاحب هذا القصر. وللأسف، إن المؤمن الذي تعرّض للإساءة والتجريح، وأصبح يعاني من المرارة والألم، يكون دائمًا تركيزه حول ذاته، حريصًا على حقوقه، وحريصًا على ألا تُنتهك حقوقه مرة أخرى. فهو لا يريد أن يتعرض لجروح مرة أخرى، وهو لكي يضمن ذلك نجده يبالغ في الوقاية وأخذ الحذر.

من عادة الشخص المجروح أن يبحث في كلمة الله عما يؤيد موقفه ضد من أساءوا إليه. ولكن، ليست هذه هي الطريقة الصحيحة لدراسة كلمة الله، إذ أن معرفة كلمة الله بدون محبة هي قوة محطّمة، لأنها تجعلنا ننتفخ بالكبرياء والحرفية وهذا يجعلنا نبرر موقفنا ونعاند بدلا من أن نعترف ونتوب عن عدم الغفران الذي نفذ إلى أعماقنا. وبهذا نصبح أكثر عرضة لأن يخدعنا عدو الخير ويكسب إبليس جولات وجولات... ولكن أين المنفذ؟

علاج مشاعر المرارة داخلنا يعتمد على:

الإيمان

يقول الكتاب المقدس: "وكل ما فعلتم فاعملوا من القلب كما للرب ليس للناس. عالمين أنكم من الرب ستأخذون جزاء الميراث. لأنكم تخدمون الرب المسيح. وأما الظالم فسينال ما ظلم به وليس محاباة"

(كولوسي 23:3–25). إذًا، الإيمان خطوة مهمة جدًا في الطريق إلى الشفاء من هذا الداء؛ بل هو الخطوة الأولى، لأنك إن آمنت بكلمات الوحي الإلهي، وتيقّنت من أن هناك إلهًا يبصر ويلاحظ، وتريد أن تعمل لحسابه، وتنال أجرك منه، وأن الظالم سوف ينال عقابه؛ لو آمنت بذلك كله لتركت كل الأشياء في يد ذلك الإله - وأنت غير خائف بل مطمئن - فتصير قادرًا أن تفعل ما قد فعله السيد المسيح شخصيًا، المكتوب عنه: "الذي إذ شُتم لم يكن يشتم عوضًا. وإذ تألم لم يكن يهدد بل كان يسلم لمن يقضي بعدل" (1بطرس 23:2).

الغفران

قال الرب: "وإن لم تغفروا أنتم لا يغفر أبوكم الذي في السماوات أيضًا زلاتكم" (مرقس 26:11).

والغفران هو من أصعب الأمور على النفس. فنحن نرى التلاميذ أنفسهم يطلبون من السيد المسيح أن يعطيهم إيمانًا لكي يقدروا أن يغفروا، وذلك عندما طلب منهم يسوع أن يغفر الواحد منهم لأخيه سبعة مرات في اليوم، فقالوا: "زد إيماننا" (لوقا 5:17)، مع انهم لم يطلبوا منه ذلك عندما رأوه يصنع معجزاته العظيمة كإقامة الموتى، أو المشي على الماء، أو حتى عندما رأوه يأمر الرياح أن تصمت وتهدأ فتطيعه؛ مع أنها كلها أشياء تتطلب إيمانًا قويًا لكي يتفاعل الإنسان مع ما يحدث أمامه. بل وقد شدد الرب نفسه على هذا المبدأ وهو أن الغفران يحتاج إلى إيمان قائلاً بأنه: لو كان عندكم إيمان ضئيل كحبة الخردل لاستطعتم أن تتغلبوا على خطية عدم الغفران هذه مهما بدت الأمور صعبة؛ وكأنها في عمقها كجذور شجرة الجميز العتيقة، أو كانت كجبل جاثم على الصدر فنجد الرب يقول لهم في لوقا 6:17 "لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذه الجميزة انقلعي وانغرسي في البحر فتطيعكم". وأيضًا "لأني الحق أقول لكم: إن من قال لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر ولا يشك في قلبه بل يؤمن أن ما يقوله يكون، فمهما قال يكون له" (مرقس 26:11).

المحبة

والمحبة هنا هي العامل المدعِّم للغفران. والمحبة المقصودة هنا هي محبة "آغابي"، أي المحبة غير المشروطة التي لا تنظر إلى الشخص الذي نحبه إن كان يستحقها أم لا، أي محبة من نفس نوع المحبة التي أحبنا بها يسوع ونحن خطاة لا نستحقها.

ونحن بدون الرب، لا نستطيع أن نعطي تلك المحبة المجانية. لا نستطيع أن نعطي سوى تلك المحبة المشروطة. ولكن بالرب، نستطيع أن يكون لنا نفس محبته - أغابي - التي بها سامح صالبيه وطلب لهم الغفران. ولكن، هذا ليس معناه أنه ليس هناك حصاد لتلك المحبة الباذلة. فهناك قانون روحى يجب أن نؤمن به الذي يقول: "... فلا نفشل في عمل الخير لأننا سنحصد في وقته إن كنا لا نكل" (غلاطية 7:6–9).

إذا، فالكتاب يضمن لنا الحصاد، ولكن في وقته - أي لا بد وأن نحصد ثمر محبتنا. سنحصدها حتمًا حتى ولو لم نحصدها من نفس الحقل الذي زرعناها فيه، ولكن علينا ان ننتظر ولا نكل.

المجموعة: 201105

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

186 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10560615