Voice of Preaching the Gospel

vopg

أيار May 2011

"الأم"، لعلها أقصر الكلمات التي احتوتها معاجم اللغة، وقصرت في الوقت نفسه عن أن تشتمل على كل معانيها. فهي تضم رقة النسيم إلى قوة العاصفة، وتجمع بين بهاء الربيع وروعته وغنى الصيف ووفرته، وسطوة الخريف ورهبته، وعزيمة الشتاء وقوته.

أمي، هي أول من تفتّحت عيناي عليها فأزال عني بريق عينيها الصافيتين ظلمات هذه الدنيا وقت ميلادي. وهي أول من أشعرني بنبضات قلبها الخفّاق الحنون، حين ضمتني إلى صدرها بعد ميلادي. هي التي غذتني من عصارة دمها جنينًا، ومن عذب لبنها طفلاً، ومن خلاصة روحها صبيًا، ومن مثلها العليا رجلاً وكهلاً.

هي "الجندي المجهول" الذي يرضى طائعًا مختارًا، بملازمة الدار، ليظهر الزوج والأولاد فتكتب أسماؤهم بأحرف من نور ونار، وترتضي هي لنفسها بالصمت والاختفاء مغنمًا وربحًا... وما أشبهها بالتيار الكهربائي، لا يراه أحد، مع أن الكل ينعمون بنوره. وثمرات محركات تياره، والقوات الدافقة التي تصدر عنه.

هي أعذب كلمة من بعد كلمة "الله". وهي المثل الأعلى من بعد المسيح، للمحبة التي تتعب ولا تنتظر لتعبها أجرًا، وتخدم ليل نهار عاملة مجدّة من غير أن تنتظر من أحد حمدًا ولا شكرًا.

هي تمثال الحب الخالد، هي رمز الحب المضحي إلى أبد الأبد. هي القوية بضعفها، الناطقة في صمتها.

لسنا ننكر ما في حب الزوج لزوجته من تضحية ووفاء، ولا ما في حب الوالد لولده من بذل وإنكار للذات. لكن محبة الأم لولدها هو ملائكي سماوي، هي رمز الحب الإلهي... فالزوج يحب زوجته لقاء ما يلقاه فيها من حب متبادل، فما حب الزوج لزوجته سوى رجع الصدى، وحب الوالد لولده لا يخلو من حب الذات. لأنه يرى في شخص ابنه امتدادًا لاسمه، وإبقاء لشخصه على الأرض بعد مماته. لكن الأم تحب ولدها حبًا خالصًا مجردًا من كل غاية. فمنذ زواجها تقبل أن يفنى اسمها في اسم زوجها. وبعد أولادها تسهر هي ليناموا، وتتعب هي ليستريحوا. وتعيش على شظف العيش ناعمة بالفتات ليحظى أولادها بخير نعيم... فتكدّ وتجاهد من أجلهم ليل نهار، وفي النهاية تقول: لم أعمل بعد شيئًا... من أجل ذلك، يحترمها أولادها ويقدسونها. فكلما ضعفت وازدادت هزالاً، ازدادت في عيونهم جمالاً. إن إشارة واحدة من يدها المرتعشة، أقوى عندهم من أعظم صولجان. وكلمة واحدة من فمها هي خير دستور لهم من بعد كتاب الله... ولمحة من إحدى عينيها الصافيتين أكثر بهاء من أشعة شمس الصباح.

في ابتسامتها شمس مشرقة... وفي ملامح عينيها بريق من نور السماء... وفي جلستها الوقور الهادئة رمز الحب الحي المتجسد.

فلا عجب إن قدس الناس الأمومة، واعترفوا بإقامة عيد لها. ولا عجب إذا نظرنا نحن إلى "الأم العذراء الطهور" نظرتنا إلى عذراء اصطفاها الله، وجعلها فوق مستوى النساء في كل العالمين، لأن منها وُلد مخلصنا الفادي المجيد.

ورب قائل: إذا كان هذا مقام الأم، فما هو واجبنا إزاء أفضالها وحسناتها التي لا تقدر؟

إن كلمة "واجب" لا تفي بالمرام، لأننا يجب أن نحب أمهاتنا حبًا صادقًا إذ لا مكان "للواجب" في معجم "المحبة"... لأن للقلوب منطقًا فوق العقول، كما قال باسكال:

"وإذا كان علينا أن نحيا لأجل أمهاتنا، فيجب أن نحيا بروحهن الوديعة الهادئة، وبمثلهن المثل العليا النبيلة".

إن زهرة واحدة يضعها الشاب في يد أمه، في عيد ميلادها، أو عيد زواجها، لهي أفضل من طاقات الزهور وأكاليل الورود التي تكدس فوق ضريحها بعد مماتها، وهي لا تدري بها...

وليست الأمومة مقصورة على البشرية. فالأمومة في الطبيعة. لأن الشمس هي أم الأرض؛ توقظها في الصباح على نغمات تغريد أطيارها، وتغسل وجهها في الضحى بأشعة أنوارها، وتدللها عند إقبال الغسق حتى تنام، فتخلع عليها رداء الليل المبطن بالظلام، والمطرز بالنجوم. لكن الشمس تلفح الأرض بنارها، وتشيع فيها الزلازل. غير أن الأم الإنسانية، تنفحنا بعطفها وحنوها فتمتعنا بالورد، وتضم بين يديها الشوك والقتاد... تسمح للنار بأن تكوي كبدها لتمتعنا نحن بخير الأنوار.

المجموعة: 201105

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

193 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10559149