Voice of Preaching the Gospel

vopg

حزيران June 2012

Rev. Joseph Abdoمعرفة الله بين سمع الأذن ورؤية العين

لا تبعد عين الإنسان عن أذنه سوى سنتمترات قليلة، ولكن المسافة بينهما في الفاعلية تطول أو تقصر حسب توجهات أنفسنا واستجابتها لإعلانات الروح القدس. فبعض المؤمنين عرفوا الله بسمع الأذن، وآخرون بلغوا مرحلة رؤية العين، وغيرهم مع الأسف يعجز عن قطع تلك المسافة حتى نهاية رحلة العمر فيبقى مراوحًا على الضفاف إلى أن يذهب إلى الأبدية دون الحصول على ذلك الاختبار المجيد.

إن أول ما نقرأه عن رجل الله "أيوب" أنه كان مؤمنًا بالله، حيث شهد الله لإيمانه بأنه "رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ" (أيوب 8:1). وقد يستغرب البعض هذه الشهادة عن مؤمن في المرحلة الأولية من مراحل إيمانه، كما عبّر هو عن نفسه بعد فترة طويلة من مسيرة حياته التي واجه فيها التجارب والاختبارات المريرة جدًا.
وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال لازب يفرض نفسه بقوة:
لماذا شهد الله لإيمان أيوب أمام ملائكته وأمام الشيطان أيضًا وهو ما زال في مرحلة "تحت التجربة" إذا صحّ التعبير؟ وما معنى صفتي الكمال والاستقامة اللتين أشار إليهما؟ وبحسب روح الكتاب نرى:
إن الله ينظر إلى المؤمن بعين محبته، فيرى النواحي الجميلة فيه لأنه ينظر إليه من خلال عمل الفداء المعيّن في المشورات الأزلية، فيراه بلا لوم.
وهو ينظر أيضًا من خلال علمه السابق إلى الصورة النهائية المكتملة الملامح للمؤمن المخلَّص، فيراه وقد اكتمل جهاده، متطهِّرًا من جميع نقائص حياة الجسد.
أما صفتا الكمال والاستقامة اللتان شهد عنهما الله في حياة أيوب، فتعنيان حسب ما تعلنه الكلمة الإلهية: الكمال النسبي بحسب الناس والاستقامة التفاضلية في المقياس ذاته. لأن الكمال المطلق والاستقامة المطلقة هما يخصان الله وحده.
كان أيوب قبل التجربة مؤمنًا ويريد أن يعمل ما يرضي الله، ولكن حياته كانت بحاجة إلى صقل وتصحيح، لذا سمح الله بأن يجرَّب لكي يتنقّى من برّه الذاتي... فالإنسان يؤمن بالله بسمع الأذن كما يقول الكتاب: "الإيمان بالخبر والخبر بكلمة الله" (رومية 17:10). ولكن ذلك ليس منتهى المطاف، لأنه توجد هناك مسيرة من الجهاد الروحي ينبغي أن يقودها روح الله القدوس حتى يستطيع المؤمن بلوغ المرحلة التي يقول فيها لله "أما الآن فقد رأتك عيني" (أيوب 5:42) فتصبح حياته منسجمة مع مشيئة الله الصالحة المرضية الكاملة، ويختبر علاقة شخصية معه دون أن يتعلّمها من الآخرين. بل يحصل عليها من خلال نموّه الروحي.
يقول "ري ديننغ" ما معناه: "إن صعوبة التعلّم عن حياة الشركة والقداسة من الآخرين تكمن في أن كل واحد يحاول أن يشرح للآخرين اختباره الشخصي. وبما أن هنالك تنوعًا كبيرًا في الشخصيات وظروفها الخاصة فيصبح التعلّم من هؤلاء أمرًا مربكًا ومشوّشًا".
فالاختبار الروحي لكل فرد هو على "مقاسه" فهو مرتبط بشخصية المؤمن وصفاته الذاتية وظروفه الخاصة، ومدى استجابته لدوافع الروح القدس. لذلك لم يستطع أصحاب أيوب مساعدته، بل عقّدوا المشكلة أكثر وتسبّبوا له بالمرارة ولأنفسهم بالملامة من قِبل الله.
كان أيوب يكافح في اتجاهين - لا أتجرّأ فأقول متعاكسين - ولكن هما على الأقلّ متباعدان. لذا فقد طالت معاناته للتوفيق بينهما وهما:
1 ً- كان مؤمنًا حقيقيًا لذا فقد كان يحاول أن يبرر إلهه بالدرجة الأولى، فلم ينسب إلى الله جهالة في كل ما أصابه، ولكنه وبّخ زوجته لجهلها في تعاملات الله التي كان واثقًا بصلاحها إذ يقول: "فَلاَ تَزَالُ تَعْزِيَتِي وَابْتِهَاجِي فِي عَذَابٍ، لاَ يُشْفِقُ: أَنِّي لَمْ أَجْحَدْ كَلاَمَ الْقُدُّوسِ" (10:6).
2 ً- كان يسعى أيضًا لإثبات بره الذاتي إذ يقول: "حَتَّى أُسْلِمَ الرُّوحَ لاَ أَعْزِلُ كَمَالِي عَنِّي. تَمَسَّكْتُ بِبِرِّي وَلاَ أَرْخِيهِ. قَلْبِي لاَ يُعَيِّرُ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِي" (5:27-6). وأيضًا "لأَنَّ الأُذُنَ سَمِعَتْ فَطَوَّبَتْنِي، وَالْعَيْنَ رَأَتْ فَشَهِدَتْ لِي... لَبِسْتُ الْبِرَّ فَكَسَانِي. كَجُبَّةٍ وَعَمَامَةٍ كَانَ عَدْلِي" (11:29 و14)؛ وكذلك "لِيَزِنِّي فِي مِيزَانِ الْحَقِّ، فَيَعْرِفَ اللهُ كَمَالِي" (6:31)؛ وغيرها كثير...
ومع هذا فقد كان العنصر الأهم في فكر أيوب هو "انتظار المخلّص"، فقد عبقت مقالاته بذلك الأريج الزكي عن أشواقه لمعاينة الفادي. ورغم أن اسم "المسيّا" لم يكن قد أُعلن بعد، إلا أننا نقرأ في أقوال أيوب في هذا السفر الرائع عن أوصاف المخلّص، وعمل نعمته، وقوة فدائه! فهو يسميه: البار، المخلّص، المحامي، البديل، المصالح، والوليّ الذي سيقوم على الأرض. كما نرى ذلك في الآيات التالية: "هُنَالِكَ كَانَ يُحَاجُّهُ (أي يواجه عدل الله عني) الْمُسْتَقِيمُ (البار)، وَكُنْتُ أَنْجُو إِلَى الأَبَدِ مِنْ قَاضِيَّ" (7:23)، "كَيْفَ أَعَنْتَ مَنْ لاَ قُوَّةَ لَهُ، وَخَلَّصْتَ ذِرَاعًا لاَ عِزَّ لَهَا؟" (2:26)، "لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا" (33:9)، "إِنْ مَاتَ رَجُلٌ أَفَيَحْيَا؟ كُلَّ أَيَّامِ جِهَادِي أَصْبِرُ إِلَى أَنْ يَأْتِيَ بَدَلِي" (14:14)، "أَيْضًا الآنَ هُوَذَا فِي السَّمَاوَاتِ شَهِيدِي، وَشَاهِدِي فِي الأَعَالِي" (19:16)، وأيضًا "أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ، وَالآخِرَ عَلَى الأَرْضِ يَقُومُ" (25:19).
وقد أيد هذا الفكر مقال "ياهو بن برخئيل البوزي" في نهايات ذلك السفر قائلاً: "إِنْ وُجِدَ عِنْدَهُ (الله) مُرْسَلٌ، وَسِيطٌ وَاحِدٌ مِنْ أَلْفٍ لِيُعْلِنَ لِلإِنْسَانِ اسْتِقَامَتَهُ، يَتَرَاَءَفُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ: أُطْلِقُهُ عَنِ الْهُبُوطِ إِلَى الْحُفْرَةِ، قَدْ وَجَدْتُ فِدْيَةً. يَصِيرُ لَحْمُهُ أَغَضَّ مِنْ لَحْمِ الصَّبِيِّ، وَيَعُودُ إِلَى أَيَّامِ شَبَابِهِ. يُصَلِّي إِلَى اللهِ فَيَرْضَى عَنْهُ، وَيُعَايِنُ وَجْهَهُ بِهُتَافٍ فَيَرُدُّ عَلَى الإِنْسَانِ بِرَّهُ (بر الوسيط). يُغَنِّي بَيْنَ النَّاسِ فَيَقُولُ: قَدْ أَخْطَأْتُ، وَعَوَّجْتُ الْمُسْتَقِيمَ، وَلَمْ أُجَازَ عَلَيْهِ. فَدَى نَفْسِي مِنَ الْعُبُورِ إِلَى الْحُفْرَةِ، فَتَرَى حَيَاتِيَ النُّورَ" (23:33-28).
كانت أشواق أيوب لخلاص الفادي تتأجج في داخله رغم قسوة التجربة وشدة الآلام. وربما كان بعض فهمه لتعاملات الله غير مكتمل تمامًا، بسبب تأثير قناعات عصره وقبل ووجود الكلمة الإلهية المدوّنة. وربما تأثر ببعض أقوال أصحابه الذين تقوّلوا عن الله زورًا. ورغم أنه كان في خطاباتهم الكثير من الأفكار الصحيحة عن الله، ولكن إيرادها ومناسباتها دلّت على أنها كانت في كل مرة حقًا يراد به باطل، وهكذا يتكرر هذا الواقع في جميع عصور التاريخ المقدس.
فلنحذر حينما نواجه الأمور المتضاربة في حياتنا أو في حياة الآخرين لئلا نكون متقوّلين زورًا عن الله.
وكإنسان، كان صبر أيوب مضربًا للمثل في أقوال الرسل: "قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ" (يعقوب 11:5). ومع هذا فهو يُعتبر رمزًا باهتًا لصبر المسيح الذي تكلم عنه الرسول بولس في 2تسالونيكي 5:3 إذ أن صبر أيوب كان مشوبًا ببعض الفترات من رثاء الذات وعتاب الرب، أما صبر المسيح له المجد فقد كان كاملاً في ثباته ليس له مثيل في تاريخ البشرية.
وقد حصد أيوب في النهاية ثمار صبره لأنه كان ينظر بالإيمان إلى المخلص الذي سيحمل آلامه ويدافع عنه أمام عدالة الله. لذا استطاع أن يقول في النهاية: "بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي. لِذلِكَ أَرْفُضُ وَأَنْدَمُ فِي التُّرَابِ وَالرَّمَادِ" (5:42-6).
لقد سمع الله لأيوب وعرف أشواق قلبه ورأى تواضعه وانسحاقه فردّ سبيه وأعاد إليه بهجة خلاصه.
قارئي الكريم، ليتنا نتعلّم من حياة هذا القديس للاتكال الكامل على بر المخلص وعدم اعتمادنا على برنا الذاتي الذي هو كخرق بالية في نظر الله.

المجموعة: حزيران June 2012

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

214 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10475477