Voice of Preaching the Gospel

vopg

حزيران June 2012

Dr. Ibrahim Saeed

في قلب الفصل التاسع من بشارة مرقس، سجل الوحي كلمة قوية، فاه بها المسيح متحديًا بها المستحيل: إذ قال: "كل شيء مستطاع للمؤمن"، فمحا بهذه الكلمة الجبارة كلمة "مستحيل" من الوجود.
أمام هذا الإعلان الجليل، يُحسب المستحيل ضربًا من المحال إذ لا وجود له مطلقًا إلا في عقول الجبناء، أنصار الهزيمة والتردد.
يقول علماء الرياضة إنه من المستحيل أن تجد مثلثًا ذا أربعة أضلاع، لأن المثلث في هذه الحال ينقلب إلى مربع، إو إلى شكل رباعي، أو إلى مستطيل. أما بقاؤه على هذه الحال فهو ضرب من المحال. فالمستحيل إذًا غير موجود في ذاته.
وغير خاف أن كلمة "مستحيل" قد تكون نسبية في كلا الحالين تدل على استحالة المستحيل!
فرؤية الحديد طافيًا فوق الماء، أو طائرًا في أجواء الفضاء، أو متحركًا تحت سطح الماء، كانت تحسب استحالة مادية في نظر أهل القرون الغابرة، لكنها أصبحت شيئًا عاديًا في وقتنا الحاضر.
فمستحيل الأمس، قد أصبح ممكنًا اليوم. ومستحيل اليوم قد يصير ممكنًا غدًا. فالمستحيل – بهذا المعنى النسبي -  قد تمحوه الأيام  والسنون.
غير أن لكلمة "مستحيل" معنى مطلقًا فوق المعنى النسبي، فلا تمحوه الأيام ولا تؤثر فيه السنون. فمن المستحيل أن يصبح المربع مثلثًا، أو أن يصير المثلث مربعًا ويحتفظ كل منهما باسمه، ومن المستحيل على الكوشي أن يغيّر جلده، وعلى النمر أن يغيّر رقطه، ومن المستحيل على الطائر أن يعيش في قلب البحر، وعلى السمك أن يحيا طائرًا في الهواء.
لكن المسيح قد تحدى "المستحيلات" كلها – سواء كانت مستحيلات نسبية أم مطلقة – فقال: "كل شيء مستطاع للمؤمن". وقال في موضع آخر: "إن غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله. لأن عند الله كل شيء مستطاع".

المستحيل النسبي

فما السبيل إلى التغلب على المستحيل النسبي؟
بيَدِ العلم والاختراع يستطيع الإنسان أن يمحو من الوجود ذلك المستحيل النسبي.
كان من المستحيل على يوليوس قيصر أن يرسل إحدى رسائله الهامة على أجنحة الأثير، أو على متن أسلاك البرق. وكان من المستحيل على  هوميروس أن يكتب الياذته على آلة كاتبة، وكان من المستحيل على نيرون أن يسير في طريق "أبيوس" على متن سيارة، وكان من المستحيل على نابليون أن يعبر بحر "المانش" على جناحي طائرة.
غير أن العلم جعل كل هذه "المستحيلات" النسبية، ممكنات اليوم، ولسوف يجعلها الغد من السفاسف التي يلهو بها الأطفال. فبقوة العقل المنتج المفكر يستطيع الإنسان أن يمحو هذا المستحيل النسبي!
قديمًا اعتقد عامة الناس وبعض علمائهم أنه من المستحيل أن تكون الأرض كروية أو أن تكون الأرض دائرة متحركة والشمس ثابتة، لكن الكشف العلمي قد قلب هذه الأوضاع رأسًا على عقب، وعقبًا على رأس، فأرانا أن الأرض كروية غير مسطحة وأن الشمس ثابتة، والأرض متحركة دائرة.
ومنذ مدة ليست ببعيدة، كان الأطباء والجراحون يقولو ن إنه من المستحيل عليهم وعلى سواهم، أن يعملوا جراحة لمريض، من غير أن يعاني المريض كل صنوف العذاب والآلام، لكن "سمبسون" قد حدثه عقله، وأوحى إليه قلبه ووجدانه، بأنه من الممكن أن يوجد "مخدر" ينقذ المريض من آلام الجراحة المبرحة، فاكتشف الكلوروفورم – أو اخترعه – ومنذ ذلك الوقت، انتقلت الجراحة إلى عالم جديد كله نور، ورجاء وهناء.
فالمستحيل النسبي تمحوه يد الزمن، وتقتدر عليه قوة العلم والاختراع، لأنها تدخل عناصر طبيعية قوية في دائرة المستحيل النسبي، فتنقله من حيز المستحيل إلى حيز الإمكان.

المستحيل المطلق

هذا من جهة "المستحيل" النسبي، فهل من سبيل إلى محو المستحيل المطلق؟
ثلاثة إذا اقترنت معًا، محت بأناملها الرقيقة كلمة "مستحيل" من سجل الوجود المطلق:
شدة الله القادر، وصلاة الإنسان المضطر، وقوة الإيمان المقتدر – هذه الثلاث إذ اجتمعت معًا، واقترنت، تولدت منهن قوة عجيبة تمحو المستحيل من سجل الوجود.

الله القادر

إن شدة الله القادر، مذخرة في صدر المسيح الحي في السماء، وصلاة المضطر منبعثة من قلب الإنسان الضعيف الذي يدب على سطح هذه الغبراء، ويد الإيمان المقتدر هي حلقة الاتصال بين قوة الله، وضعف الإنسان. فتخلق من الضعف قوة، ومن اليأس بأسًا، ومن الآلام خير رجاء، وأفضل آمال.
لقد ظهرت قوة المسيح في معالجة كل الأدواء التي أصابت البشر.
في الفصل التاسع من إنجيل مرقس، الذي فاه فيه المسيح بقوله الجليل "كل شيء مستطاع للمؤمن"، يرسم البشير صورة مؤلمة لشاب في مقتبل العمر، احتل الشيطان عقله ونفسه، منذ ولادته، فسقاه من كؤوس الآلام أمرّها وأشقاها، فكان يطرحه مرة في النار، وحينًا في الماء، ويلقيه طورًا في التراب، ليقاسي كل صنوف العذاب، وقد استعصت حالته على الناس، فلم ينفع فيها طب أو دواء، ولم يشفع فيها حنان الأب، ولا دموع الأم. ولم تجدِ فيها استغاثة المريض المعذّب. فأضحى شفاء هذا الغلام من أعقد المستحيلات.
لكن قوة المسيح المقتدرة في فعلها قد جعلت هذا المستحيل ممكنًا، فطردت ذلك الداء العياء، وأحلت محله عناصر الصحة والشفاء، إذ انتهر المسيح ذلك الروح النجس قائلاً له: "أيها الروح الأخرس الأصم، أنا آمرك: اخرج منه ولا تدخله أيضًا، فصرخ وصرعه شديدًا وخرج. فصار كميت حتى قال كثيرون إنه مات. فأمسكه يسوع بيده وأقامه فقام".
وفي الفصل الخامس من نفس هذا السفر الجليل، استشف مرقس البشير ثلاث حالات قال فيها الطب كلمته الأخيرة القاسية: "الشفاء مستحيل"!
أولاها حالة رجل خرج به مرضه الخطير من طور العقل إلى طور الجنون. وانتقل به من سكنى الدور إلى الإقامة في القبور، فقضى عليه بالموت وهو لم يزل بعد على قيد الحياة!
والثانية، حالة سيدة فتك بها الداء وأنهكها الدواء، إذ أنفقت كل معيشتها على الأطباء، فلم تنتفع شيئًا، بل صارت إلى حال أردأ.
والثالثة، حالة فتاة في مقتبل العمر، صارعها المرض، حتى صرعها، وسلمها إلى قبضة الموت القاسية، فلم يرحم شبابها ولم يرث لدموع أبيها، ولم يستمع لتنهدات أمها وحسراتها، لأن قلب الموت قُدّ من صخر، فهو لا يعطف، وهو لا يشعر. أمام هذه الحالات الثلاث – بل المستحيلات الثلاثة – أظهر المسيح قدرة عزيز مقتدر، فحرر الرجل من ربقة الشيطان، وأجلسه "لابسًا عاقلاً عند موطئ قدميه". وشفى المرأة من دائها العياء، فأعاد إليها الصحة كاملة موفورة وانتزع الفتاة من قبضة الموت، وردها إلى والديها صحيحة سليمة. فحطم "مثلث المستحيلات" بقبضة قدرته القاهرة، وقوة نعمته الغافرة.

صلاة المضطر

العنصر الثاني الذي يلغي المستحيل، هو صلاة الإنسان المضطر. ليس في الوجود شيء – أو شخص – أضعف من الإنسان المضطر، وليس في الوجود أقوى منه وهو جاث على ركبتيه، مصليًا لله، فهو في هذه الحال، موضوع فزع الشيطان وخوفه. هذا هو الإنسان الذي يخافه الخوف، وتعتز به القوة، ويهرب أمامه المستحيل.
يقول علماء الإقتصاد إنه من المستحيل أن تحيا جماعة كبيرة منظمة من غير أن يكون لها دخل منظم. لكن صلاة جورج موللر، قد مكنت ملايين اليتامى من أن يعيشوا عيشة رغدة في أثناء قرن كامل، فأنفقت عليهم ستين مليونًا من الجنيهات، من غير أن يكون لهم دخل ثابت إلا ما تدرّه عليهم قوة الصلاة!
يقول علماء التاريخ، ودارسو طبائع البشر، إنه من المستحيل أن يستقر قوم من البيض، في قلب الصين وينجحوا في أي عمل تبشيري. لكن صلاة هادسون تايلور، قد مكنت مئة مرسل من أن يذهبوا إلى تلك البلاد النائية، فكرزوا، وشفوا مرضى، ووفقهم الله إلى نجاح  عظيم في عام واحد.
قال هنري مارتن، استنادًا إلى معرفته الشخصية بطبائع الناس: "من المستحيل أن يؤمن "براهمي" واحد بالمسيح". لكن صلاة هنري مارتن نفسه،  قد مكنت عشرات ومئات البراهميين، من أن يؤمنوا بالمسيح، ويستقروا في نفس البيت الذي قال فيه مارتن كلمته المشهورة، فجعلوا من ذلك البيت التاريخي مركزًا عامًا لتبشير إخوتهم البراهميين، فاستجيبت صلاة هنري مارتن نفسه بعد مرور سبعين عامًا على وفاته.
يقول علماء الطبيعيات، إن الأمطار تحتبس وتنهمر، وفق نظم وقوانين طبيعية، لا يمكن أن تتخطاها، لكن صلاة إيليا قد أغلقت السماء فلم تمطر، وفتحت السماء فأمطرت، وفق ناموس هذه الصلاة التي اقتدرت كثيرًا في فعلها.

الإيمان المقتدر

أما العامل الثالث الذي يزيل المعجزات، فهو الإيمان المقتدر. ولا عجب، فإن الإيمان هو اليد التي تتناول بركات الله، فتجعلها من حق الإنسان فتغني الفقير بغنى الله الذي لا يستقصى. الإيمان هو حلقة الاتصال بين قوة المسيح المقتدر، وبين صلاة الإنسان الضعيف المضطر.
من أجل هذا، قال المسيح لتلاميذه: "ليكن لكم إيمان بالله. لأني الحق أقول لكم إن من قال لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر ولا يشك في قلبه بل يؤمن أن ما يقوله يكون، فمهما قال يكون له. لذلك أقول لكم إن كل ما تطلبونه حينما تصلون، فآمنوا أن تنالوه فيكون لكم".
ليس من الضروري أن يكون إيماننا عظيمًا، بل يكفي أن يكون إيمانًا سليمًا، وإن يكن صغيرًا مثل حبة الخردل، بل أصغر من حبة الخردل بكثير – مثل الذرّة.
فليست العبرة في ضخامة الإيمان، بل في صحته وسلامته.
قيل مرة لأحد المؤمنين: "إن إيمانك عظيم"! فأجاب قائلاً: "كلا. بل إيماني صغير، لكن إلهي عظيم"!
اللهم، اكشف لي عن جلال قدرتك!
ويا ربي علمني أن أصلي!
ويا إلهي زد إيماني، بل أعن عدم إيماني!

المجموعة: حزيران June 2012

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

245 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10572454