Voice of Preaching the Gospel

vopg

الأخ جوزيف عبدوإذا كانت رحمة الله مبنية على أسس ثابتة من محبته الأزلية لبني البشر تجاه كمال شخصه في القداسة، وعظمة برّه المتأصل في كيانه الذاتي، وثبات عدله النابع من سلطانه المطلق، فإن من أهم مظاهر هذه الرحمة غفرانه الكامل للذين يطلبونه.

هناك مقاطع كثيرة في الإنجيل المقدس تتكلم عن الجديّة والحزم اللذين يتعامل بهما الله مع الخطية والعصيان البشري، لأن الخطية تشكّل طعنًا لقداسته وبرّه وتمرّدًا على سلطانه وعدله، مما يمنع صفحه ويحجب رضاه بشكل صارم! بينما تعلن كلمة الله أيضًا في مقاطع كثيرة عن تغلّب عنصر المحبة في الكيان الإلهي الأقدس، والتي تفعّل هذه الرحمة بحيث تؤدي إلى غفران الله الكامل وصفحه النهائي الذي لا رجوع عنه إذا تجاوبت إرادة الإنسان الخاطئ مع خطة الله المحكمة للخلاص.
فمحبة الله الفائقة تحرّك رحمته لخلاص الإنسان الذي ابتعد عنه وتمرّد على سلطانه العظيم، حيث أن قداسته وعدله يطالبان بالقصاص والدينونة، بينما تقف شريعة فمه شاهدة ضد الخاطئ كوكيل النيابة الذي يطالب المحكمة بإيقاع العقوبة الصارمة. لأن الخطيئة لا تسيء فقط إلى الشريعة أو الوصية بقدر ما تسيء إلى شخص الله الخالق العظيم وإلى سلطانه وعدله الكاملَين. فإن الشريعة الإلهية تعلن أن: "أجرة الخطية هي موت." (رومية 23:6) "والنفس التي تخطئ هي تموت." (حزقيال 4:18) وليس موتًا جسديًا فقط بل موتًا شاملاً للنفس والروح والجسد، ومن جملته أيضًا الموت الأدبي، أي الانفصال عن سلطان الله في الحياة. والموت الأبدي، أي الانفصال الكامل عن حضرة الله بعد الدينونة وإلى الأبد.
ويقول الكتاب: "ليس الله إنسانًا فيكذب، ولا ابن إنسان فيندم. هل يقول ولا يفعل؟ أو يتكلم ولا يفي؟" (العدد 19:23)
ولكي يوفِّق الله بين المتناقضَين، "محبته" و"عدله"، فقد تحمّل بذاته الكلفة الباهظة الناتجة عن عمل الفداء العظيم بموت الابن الإلهي على الصليب. حيث استطاع بحكمته الفائقة أن يعيد بني البشر إلى الحالة المرضية التي يقبلها عدله المطلق، الذي يصرخ في وجه الخاطئ مطالبًا بالقصاص.

فما هو الغفران الإلهي، وما هي مقوّماته وشروطه؟

أولاً: نحن نفهم من كلمة الله أن الغفران هو طرح الخطية عن الإنسان الخاطئ بعمل إلهيٍ صرف. وقد عبّر عن هذا المعنى جميع الرسل والقديسين في العهد الجديد بشكل واضح جلي. كما أن هذه الحقيقة لم تفت عن الأنبياء والقديسين في العهد القديم أيضًا. يقول حزقيا الملك في صلاته المدوّنة في سفر إشعياء 17:38 "هوذا للسلامة قد تحوّلت ليَ المرارة، وأنت تعلّقتَ بنفسي من وهدة الهلاك، فإنك طرحت وراء ظهرك كل خطاياي." ويقول ميخا النبي: "من هو إله مثلك غافر الإثم وصافح عن الذنب لبقية ميراثه! لا يحفظ إلى الأبد غضبه، فإنه يسر بالرأفة. يعود يرحمنا، يدوس آثامنا، وتُطرح في أعماق البحر جميع خطاياهم." (ميخا 18:7-19)

ثانيًا: هو محو للخطية كما يمحو التلميذ الكلمة الخطأ من دفتره. يقول الرب: "قد محوت كغيم ذنوبك وكسحابة خطاياك. ارجع إليّ لأني فديتك." (إشعياء 22:44) ويقول أيضًا: "أنا أنا هو الماحي ذنوبك لأجل نفسي، وخطاياك لا أذكرها." (إشعياء 25:43)

ثالثًا: هو نسيان الله للخطايا التي "شُملت بالفداء". فهو لا يذكرها بعد لأنه يصفح عنها ويعتبرها غير موجودة، وذلك ليس لأن الله يفقد الذاكرة تجاهها بل لأجل نفسه وبموجب محبته الفائقة ورحمته الواسعة. وبدون هذا الغفران لا يمكننا أن نتعامل مع الله لأنه قدوس، لا بجهودنا ولا بتقوانا وممارساتنا للفرائض وإن كانت هذه مطلوبة ولكنها مطلوبة ومقبولة من الإنسان الذي غفرت خطاياه بعمل الفداء. يقول الإنجيل المقدس: "لأنه بأعمال الناموس كل ذي جسد لا يتبرر أمامه. لأن بالناموس معرفة الخطية." (رومية 20:3) ثم يقول: "متبررين مجانًا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح، الذي قدّمه الله كفارة بالإيمان بدمه، لإظهار برّه، من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله." (رومية 24:3-25)
ومع مجانية الغفران بالفداء بدم المسيح، فإن هناك خطوات ضرورية يجب على الخاطئ أن يخطوها للحصول عليه وهي:
الإيمان: وهو هبة من الروح القدس الذي يشدّد فينا الرغبة ويعطينا القدرة للتجاوب مع دعوة الله، والثقة بعمل الفداء الذي أكمله الرب يسوع على الصليب، والإيقان بالبدلية، أي بموت المسيح البار بدلاً من الإنسان الخاطئ.
الاعتراف: فنحن كبشر خطّاؤون وذلك من نتاج الطبيعة الفاسدة الموروثة من أبوينا الأوّلين، ونحن مطالبون أن نعترف لله بخطايانا. يقول الكتاب: "من يكتم خطاياه لا ينجح ومن يقرّ بها ويتركها يُرحم." (أمثال 13:28) ويقول أيضًا على فم داود: "أعترف لك بخطيتي ولا أكتم إثمي. قلت: أعترف للرب بذنبي وأنت رفعت آثام خطيتي." (مزمور 5:32)
التوبة: كانت رسالة الرب يسوع في بداية خدمته عن ضرورة التوبة. "من ذلك الزمان بدأ يسوع يكرز ويقول: توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات." (متى 17:4) فقد علّم بأن الاقتراب الصحيح إلى الله يتمّ ليس بالشعور بالذنب والاعتراف الداخلي والتصميم على تحسين السلوك، بل بتغيير الاتجاه كليًا. وليس بتوبة مبنية على ظرف مؤقت ظاهري بينما أفكار القلب تظلّ متجهة في الاتجاه القديم.

ومن عوامل التوبة:
أ - تبكيت الروح القدس (أعمال 37:2).
ب - الحزن المقدس على الخطية (2كورنثوس 9:7).
ج – المعونة الإلهية لاتخاذ القرار (إرميا 18:3-19).
وكأن الرب يسوع يختزل الخطوات الثلاث: الإيمان، والاعتراف والتوبة بالخطوة العملية الفعّالة وهي التوبة لأنها الأمر المركزي الذي يعيد العلاقة مع الله، بينما نتيجة عدم التوبة هي الوقوع تحت غضب الله. كما يقول الإنجيل المقدس: "أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته، غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة؟ ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب، تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة." (رومية 4:2-5)

شروط الغفران
يوجد في الكتاب المقدس شرط واحد وحيد للحصول على غفران الله لنا. وقد أكّد ذلك الرب يسوع في مجمل تعاليمه ولا سيما حينما علّم تلاميذه الصلاة بقوله: "فإنه إن غفرتم للناس زلاتهم، يغفر لكم أيضًا أبوكم السماوي. وإن لم تغفروا للناس زلاتهم، لا يغفر لكم أبوكم أيضًا زلاتكم." (متى 14:6-15) فقد تكلم الرب عن هذا الشرط من الناحيتين الإيجابية والسلبية أيضًا لكيلا يدع مجالاً للتفسير أو التأويل.
والمؤسف هو أن بعض الذين يدّعون أن خطاياهم قد غُفرت يتناسون هذا الشرط، فهم لا يستطيعون التغاضي عن كلمة أو حركة بسيطة يظنون أنها تسيء إلى شخصياتهم. وهناك أيضًا من لديهم مخزن في قلوبهم لزلات الآخرين محنّطة منذ سنوات طويلة كمومياء الفراعنة بل يضيفون إليها كل هفوة طارئة لكي يبقى أتون حقدهم وعدم غفرانهم دائم الاشتعال والغليان.
وفي المثل الذي أورده الرب يسوع عن الملك الذي أراد أن يحاسب عبيده، فقدّم إليه واحد مديون بعشرة آلاف وزنة، فسامحه بالدين لأنه تضرّع إليه، لكن هذا العبد لم يسامح رفيقه المدين له بمئة دينار فلما أُعلم الملك بذلك، دعاه ثانية وسحب مسامحته له بالدين، وسلّمه إلى المعذّبين، حتى يوفي كل ما كان عليه، وأنّى له أن يستطيع! لطفًا راجع متى 24:18-35.
وإذا أجرينا عملية حسابية لوجدنا التالي: الوزنة = 3000 شاقل. والشاقل = 10غ، فالوزنة = 30.000غ. وبما أن الدينار= 3غ، فالوزنة = 10.000 دينار. ويكون دين الملك 10.000 × 10.000 = 100.000.000 دينار، وهو يساوي مليون مرة لدين العبد رفيقه.
عزيزي القارئ الكريم، لقد أراد الرب، له المجد، بهذه المقارنة أن يبيّن المقدار الهائل لدين الخطية الذي يغفره لنا الرب مقارنة بالزلات والأخطاء التي يطلب منا أن نغفرها للآخرين. وأن يبيّن أيضًا أنه لا يمكن أن يتمّ غفرانه لنا إلا إذا غفرنا نحن أيضًا لغيرنا. وجميعنا بحاجة لمعونة روح الله القدوس فنتمتّع بروح الصفح والغفران لمن يسيء إلينا، حتى نضمن غفران الله لخطايانا، فلا نكون نسعى باطلاً دون تحقيق رضاه الكامل، ولئلا نكتشف ذلك بعد فوات الأوان.

المجموعة: شباط (فبراير) 2018

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

101 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10572406