Voice of Preaching the Gospel

vopg

يُعتبر البصر مع السمع ذلك الجهاز المميَّز عند الإنسان، والنوافذ التي يطلُّ منها على العالم الخارجي ويتلقّى منها المدركات ويُكيِّف وجوده حسب الأخبار التي تصل إليه تباعًا.

يذكر الكتاب المقدّس بشكلٍ نادرٍ ورائعٍ في آنٍ معًا كيف كان الربّ يسوع المسيح يمتلك ذلك القلب الحنون عندما كان يلمس الإنسان لشفائه من أمراضه الكثيرة ومن بينها العمى.
وفي لمسة الحنان هذه، كان يسوع يلمس أيضًا أعين أولئك الذين فقدوا حاسّة النظر، وما أصعبها من مصيبةٍ مُكربة عندما لا يستطيع الإنسان أن يرى. وعند لمسه لأعين العميان، كان البصر يعود إليهم على الفور، فما كان من هؤلاء إلّا أن تبعوا يسوع بعدما رأوه للمرّة الأولى. وكما خلق الربّ عينَي الإنسان الأول من تراب الأرض، هكذا بلمسةٍ عجائبية كان يُعيد البصر للعميان، ذلك لأنه ربٌّ وإلهٌ قدير ولا يعسر عليه أمرٌ.
الرؤية أو البصر هي قدرة الدماغ والعين على كشف الموجة الكهرومغناطيسية للضوء لتفسير صورة الأفق المنظور. إن العين ترى الموجودات لتميّز الألوان والأشكال وتكشف النور عن الظلام، لذا عندما يمرُّ الضوء من عدسة العين يؤدي ذلك إلى انعكاس الصور المنظورة على شبكية العين أو Retina التي تقوم بدورها بنقل الصورة للدماغ القادر على إدراكها. أما حاسة البصر فهي المعيار بين القدرة على الرؤية والعمى. لقد فقد الكثيرون في هذا العالم البصر لسببٍ ما أو آخر، وإذ هم مُكرهون يعيشون في الظلمة لا يستطيعون أن يروا النور أو حتى أن يتمتّعوا بجمال الطبيعة أو أن يروا وجوه أحبّائهم. تُعرَّف الإعاقة البصرية على أنها حالة يفقد الفرد فيها المقدرة على استخدام حاسة البصر بفاعلية مما يؤثر على أدائه ونموّه. ومع تقدُّم العلوم والطب، يحاول العِلم الحديث فهم مشاكل العين وغياب البصر ويعمل العلماء جاهدين لسبر غور أسرار العين البشرية وفيزيولوجيا النظر والإبصار ليخلصوا إلى أنهم أنفسهم مع علمهم وتطوّر تقنياتهم لا يستطيعون أن يفهموا هذا الإعجاب في العين والنظر فهمًا كاملاً. يُعرّف العِلم الحديث مشاكل البصر أو أنواع العمى على النحو التالي: أولاً، المكفوف، ذلك الشخص الذي يتعلّم من خلال القنوات اللمسية أو السمعية. ثانيًا، ضعيف البصر هو الشخص الذي يعاني من ضعفٍ بصري شديد بعد التصحيح ويمكن تحسين الوظائف البصرية لديه بالتقنيات الطبية والتكنولوجية. ثالثًا، محدود البصر أو الشخص الذي يستخدم البصر بشكل محدود في الظروف العادية. هذا وتشير الإحصاءات إلى أن هناك ما يزيد على 35 مليون مكفوف وحوالي 120 مليون ضعيف بصر في العالم. وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية أيضًا إلى أن نسبة انتشار العمى تختلف من دولة لأخرى وأنّ حوالي 80 % من المعوّقين بصريًا يوجدون في الدول النامية وتزداد نسبة الإعاقة مع تقدّم العمر وتزداد في الدول التي تفتقر إلى الرعاية الصحية المناسبة.
فما هو إذًا البصر وكيف تستطيع العين البشرية أن ترى؟ إن جهاز الرؤية هو ذلك الجزء من الجهاز العصبي المركزي الذي يُمكّن الكائنات من معالجة التفاصيل المرئية، وكذلك تمكين العديد من دالات الاستجابة المرئية من تشكيل الصورة. يقوم هذا الجهاز بتفسير المعلومات من الضوء المرئي لبناء تمثيل للعالم المحيط. يقوم جهاز الرؤية بإنجاز عدد من المهام المعقّدة، بما في ذلك استقبال الضوء وتشكيل تمثيلات الألوان، وبناء تصوّرٍ منظوريٍّ من زوج الإسقاطات ثنائية الأبعاد، وتحديد وتصنيف الكائنات المرئية، وتقييم المسافات عن وبين الكائنات، وتوجيه حركات الجسم بالنسبة للكائنات المرئية. تُعرف العملية النفسية لإظهار المعلومات المرئية باسم التصوّر المرئي، وقلّته يؤدّي إلى ما يُعرف باسم العمى، كما أشرنا سابقًا. من المعروف والثابت علميًا وجود مادّة كيميائية شبيهة بالفيتامينات في شبكة العين تُسمّى [ريتينال] أو Retinal. وعندما تتّحد هذه المادّة مع إحدى البروتينات الخلويّة، يتغيّر شكلها وتبدأ بامتصاص الضوء لِتُشكّل النواة الأولى للبصر الطبيعيّ. وإذ تتحوّل هذه الأنشطة الكيميائية إلى تفاعلاتٍ ضوئية منظّمة، تبدأ الخلايا النظرية بإرسال شيفراتٍ موحّدة نحو الدماغ من أجل تحليلها، فيتحوّل النسيج الكيميائي هذا إلى صورةٍ واضحة في عمق أثير الدماغ وأنسجته، فيبدأ الفرد الناظر عندها بالإحساس بالنظر وبرؤية الأشياء حوله. يمر الضوء عبر القرنية التي تعمل على انكساره ومن ثم يمر عبر السائل المائي فالحدقة، فالعدسة التي تعمل على تركيزه بدورها ثم عبر السائل الزجاجي. ويتم تركيز الضوء على الشبكية حيث تتكون صورة مختلفة في كل عين. ثم تنتقل الصورتان عبر العصب البصري على هيئة نبضات كهربائية إلى المركز البصري في الفص الخلفي ولا تتم النبضات هذه على هيئة صوَر وإنما على شكل شيفرة. وفي الدماغ تُفسّر هذه الشيفرة وتُترجم إلى إبصار. إن الحساسية للضوء هي من أهمّ وظائف العين ولكن الإبصار الذي يحصل من خلال تفسير وإعطاء معنى لما يتم رؤيته فهو من وظائف الدماغ. أما الأعمى فهو لا يستطيع أن يرى بسبب وجود خللٍ ما في إحدى هذه المراحل أو أكثر فيفقد عندها حاسّة النظر إما تدريجيًا أو تمامًا.
فإذا كانت تعقيدات البصر الفيزيولوجية والخلويّة غير مفهومة تمامًا إلّا أنّها تلقي الضوء على كيفية النظر، لا شكّ أن العالِم بيننا يُدرك إدراكًا جيدًا أن للنظر بُعدًا يتخطّى العين – وقصدت بذلك دور الدماغ البشري كما ذكرت آنفًا في جعل النظر ممكنًا، حتى أنّ الكثير من العلماء يعتقدون جازمين بأن الإنسان يرى بعقله قبل عينيه. ولكي أؤكّد صحّة هذه النظرية، أُشير إلى أن الطبّ الحديث يستطيع أن يجعل الإنسان يرى الأشياء بدون وجود العينين أو تدخّلهما، كما أنّ الكثيرين من العميان هم كذلك رغم أن عيونهم سليمة بالكامل وبالرغم من ذلك لا يستطيعون البصر لأنّ مكامن المشكلة هي في أنسجة الدماغ. إن الدّقة في تكوين العين البشرية تُظهر عظمة ذلك الخالق الكليّ القدرة، فمَن غيره يفهم طبيعة البصر ويستطيع أن يهب الأعمى نعمة البصر ثانية؟ إنّه مَن هندس العين وأعطاها إمكانية البصر، حتى أفضل الباحثين والأخصّائيين يقفون مذهولين أمام عظمة العين وتكاملها البصريّ الرائع.
عندما التقى الربّ يسوع المسيح بأعمى مدينة أريحا، سأله: "قائِلاً: مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ بِكَ؟" فما كان من الأعمى إلّا أن بادره بالقول: "يَا سَيِّدُ، أَنْ أُبْصِرَ." (لوقا 41:18) إن ذاك الذي خلق العين البشرية الذي يعرف كيف تعمل ويستطيع أن يعطيها البصر بلحظةٍ من الزمان هو نفسه مَن التقى بأعمى أريحا وقال له: "أَبْصِرْ. إِيمَانُكَ قَدْ شَفَاكَ." (لوقا 42:18) هذه الحادثة التي من خلالها أعاد الربّ البصر لأحد العميان لم تكن الوحيدة إلّا أنها فريدة في إظهار القدرة العجائبية الإلهية في عمل العين ودورها البصريّ. يشير الكتاب المقدس إلى العديد من عمليات الشفاء التي تناولت البصر أذكر منها التالي:
الأعمى المجنون والأخرس – (متى 32:9؛ 22:12؛ مرقس 22:3؛ لوقا 14:11). ففي إنجيل متى والشواهد الأخرى المرادفة ذكرٌ لذلك الرجل المجنون والأعمى والأخرس الذي شفاه يسوع للحال فصارَ يتكلّم ويُبصر.
أعمى أريحا المذكور آنفًا – (متى 29:20-34؛ لوقا 35:18-43).
بارتيماوس الأعمى ابن تيماوس – (مرقس 46:10-52). وهو ذات الأعمى من مدينة أريحا.
الأعمى منذ ولادته – (يوحنا 1:9-12). نرى هنا أنّ المسيح تفل على الأرض وصنع من التّفل طينًا وطلى عينَي الأعمى. وإذ اغتسل في بركة سلوام كما أمره الربّ عاد صحيحًا وبصيرًا مرةً ثانية.
هذه كلها تشهد عن ذاك الذي يمنح البصر للعميان، لكنه أيضًا يمنح البصيرة الروحية لكي يُدرك الإنسان مَن هو خالق العين والمعطي البصر والبصيرة – "اكْشِفْ عَنْ عَيْنَيَّ فَأَرَى عَجَائِبَ مِنْ شَرِيعَتِكَ." (مزمور 18:119) إنّ دقّة العين البشرية وتنظيمها الفيزيولوجيّ الرائع إنما يشهدان عن أعظم مهندسٍ عرفته البشرية منذ نشأتها – إنه ذاك الذي قيل فيه أن اسمه "يَسُوعُ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ كَيْفَ مَسَحَهُ اللهُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَالْقُوَّةِ، الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ، لأَنَّ اللهَ كَانَ مَعَهُ." (أعمال 38:10) فمَن خلق العين ألا يستطيع أن يمنحها البصر؟

المجموعة: نيسان (إبريل) 2020

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

215 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10623776