Voice of Preaching the Gospel

vopg

كتب بولس الرّسول إلى الكنيسة في كورنثوس قائلًا: "إِنْ كَانَ لَنَا فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ فَقَطْ رَجَاءٌ فِي الْمَسِيحِ فَإِنَّنَا أَشْقَى جَمِيعِ النَّاس.

وَلَكِنِ الآنَ قَدْ قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَصَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ." (1كورنثوس 19:15-20) ولكن في ذكرى يوم القيامة، الذي يرقى إلى ما قبل أكثر من ألفي عام، دعونا نتأمل في وضع تلميذيِّ عمواس في أثناء سيرهما في الطريق من أورشليم إلى عمواس، ونحاول أن نسلّط الضوء على حالتيهما:

1- كان قلباهما منكسرين
اختبر التلميذان حزن وألم الموت، وفراق المعلّم والرَّب والقائد. لقد كانا يعانيَين من خيبة الأمل والشّكوك والحيرة والهزيمة. لذلك تركا الرّسل في حالة يأس وانخفاض للمعنويّات والإحباط، وأرادا الخروج من الجوّ الكئيب بالعودة إلى بيتهما في عمواس. تأمل ما قاله الإنجيل المقدّس عن حالتهما: كانا "عَابِسَيْنِ" (ع 17) بسبب الحزن والألم والخسارة. وقالوا عن يسوع: "كُنَّا نَرْجُو" (ع 21)، أي إنهما فقدا الرجاء (ع 22). وقالوا أيضًا أن "بعض النساء منّا حَيَّرْنَنَا. "أي، كانت الحيرة تملأ حياتهما.
لقد صُلِبَ المعلّم الّذي وَقَّراه وأحبّاه وتبعاه. لقد قُتِلَ بطريقة وحشيّة وفظيعة. قُتل صلبًا، أي بأكثر طريقة مخجلة، حيث جُعِلَ الرَّب منظرًا للعالم لكي يشاهده الجميع معلّقًا على الصّليب. هتفت له الجموع قبل أسبوع واحد من الصّلب: "أوصنّا" لهذا المعلّم، وارتفعت المعنويات بقرب الخلاص من روما وجنودها. ولكن من تعلّقت به الآمال هو الآن ميتٌ ومدفون في قبر حجري. لقد تلاشت الأحلام وتحطّمت الأماني.
إن حقيقة سفر التّلميذين من أورشليم إلى عمواس يدلُّ على أن جماعة التّلاميذ قد بدأت تتفكك بموت الرَّب يسوع. ويبدو أن الخبر الّذي حملته النسوة عن القبر الفارغ لم يحيِ آمال التّلاميذ بل زادهم حيرة وارتباكًا. لقد تحطّم عالم التّلاميذ، وبدأت علامات تفكّك المجموعة، ودليل ذلك أن تلميذين محبطين تركا بقية التلاميذ ليعودا إلى بيتهما، وقد لَخَّصا موقفهما بالقول: "وَنَحْنُ كُنَّا نَرْجُو أَنَّهُ هُوَ الْمُزْمِعُ أَنْ يَفْدِيَ إِسْرَائِيلَ." (لوقا 21:24)
رجاء الإنسان وأمله شيء هشّ، وسريعًا ما يزول. وفي حالة زواله، من الصّعب إعادته إلى حالته الأولى. إنّ اليأس وفقدان الرّجاء هو مرض يصيب النّفس البشريّة بالإحباط الّذي يصعب علاجه. فعندما نرى شخصًا نحبّه قد ابتُليَ بالمرض، وبأنّه لا أمل بشفائه، فإنّنا نصاب باليأس، بل نخاف من أن يكون لدينا أمل ولو ضئيل جدًّا كيلا نفشل ونيأس من جديد.
لقد أصاب اليأس تلميذَي عمواس. وقالا بصراحة: "كُنَّا نَرْجُو" أي أنّهما فقدا الأمل نهائيًّا. فالأمل الّذي كان ملتهبًا وحيًّا انتهى ومضى. كانا في مرحلة شك وهزيمة وخيبة أمل. كانا بلا رجاء. وبموت الرجاء، لم يعد لهما مكان في أورشليم، فتركا المدينة بروح الهزيمة إلى عمواس.
وما أكثر الّذين يمرّون اليوم في اختبار عمواس! لقد مات الأمل والرّجاء في حياتهما. لذلك يسيرون في الحياة عابسين مثل تلميذَي عمواس.
ما أصعب هذا الموقف! كانا يحلمان بأمور عظيمة، ولكن أحلامهما تحطّمت عند الصليب، وسافرا بقلوب منكسرة. كثيرون منا اليوم يسيرون في طريقهم مثل تلميذَي عمواس: سيختبرون معنىً للحياة المنتصرة. وعندما تتحطم الآمال، يصعب إحياؤها من جديد.
لكن الرَّب لم ولن يتركنا في اليأس والإحباط والفشل. وهذا ما فعله مع تلميذَي عمواس، وما زال يفعله اليوم، لأنّه وحده مصدر الأمل والرّجاء في القلوب.
وأثناء سيرهم، جاء الرَّب يسوع المسيح الحيّ والمُقام من بين الأموات وسار معهما. ولكن المشكلة مع التّلميذَين أنّهما لم يعرفاه كما نقرأ في لوقا 16:24 "أُمْسِكَتْ أَعْيُنُهُمَا عَنْ مَعْرِفَتِهِ." وهذا أمر طبيعي عند الألم والحزن وضياع الأمل. فحالتهما النفسيّة وانشغالهما بالحزن لم يساعدهما على فتح عيونهما ليلاحظا أنّ الّذي سار معهما هو الرَّب بنفسه.
ما أعظم وأروع ربنا يسوع! فهو لا يتركنا في حالة الضياع والحيرة والألم، بل يأتي إلينا في الوقت المناسب جدًا. يأتي ليبدّد الأحزان، وليحيي الرجاء، وليبعث الحياة من جديد.
سار الرَّب يسوع مع تلميذَي عمواس دون إدراكهما له، وهو الآن يسير مع كثيرين منا دون إدراكنا. ولكنه كان كالغريب بالنّسبة لهما، مع أنه سار وتحدّث معهما. ولم يتغيّر الحال اليوم: الرَّب يسير مع كثيرين... يباركهم، ويستمع لهم... ولكنه مع تلميذَي عمواس كان غريبًا بالنسبة لهم، فأعينهما قد أُمسكت عن معرفته. والسؤال الذي يواجهنا هنا: ما الذي أمسك عيونهما عن معرفته؟ هل هو الحزن والغمّ والحسرة والرجاء المحطم، أم هو التغيير الذي حدث في شكل جسد الرَّب المُقام من بين الأموات، فلم يستطيعا معرفته في جسده الممجَّد؟
كثير من النَّاس في أيامنا لا يعرفون الرّب يسوع بسبب زحمة الحياة وكثرة مشاكلها... والطقوس والعادات... وديانات العالم الباطلة... وبسبب ضعف الإيمان، ومع ذلك فالرَّب دائمًا يجدِّد لنا الفرص لنعرفه كما هو.
سألهما رب المجد يسوع، والّذي كان بمثابة شخص غريب بالنّسبة إليهما: "مَا هَذَا الْكَلاَمُ الَّذِي تَتَطَارَحَانِ بِهِ وَأَنْتُمَا مَاشِيَانِ؟" وفي جوابهما، سكبا آلامهما وأحزانهما لشخص كان لديه الاستعداد أن يسمع لآلام قلبيهما. لقد كان بقدرة الرَّب يسوع أن يفاجئهما بالحقيقة المفرحة، لكنّه تعامل مع الأمر بهدوء وسكينة. لقد أعطاهما أولًا فرصةً لتفريغ ما في قلبيهما من حزن وألم وخيبة أمل، وبالتدريج قادهما إلى إدراك الحقيقة.
كان تلميذا عمواس بحاجة إلى من يرافقهما في وقت الحزن. كانا بحاجة إلى من يستمع لآلام قلبيهما. وهذا ما عمله الرَّب يسوع، وهو ما زال اليوم كما في الماضي، مستعد أن يرافقنا في مسيرة الحياة المؤلمة، وأن يستمع إلى آلام قلوبنا، ثم ليقودنا إلى النّجاح والخلاص. في المحبّة والاستعداد للسّمع والمرافقة، تحّولت تجربة تلميذَي عمواس من انكسار القلب إلى:

2) قلبين مملوئين بالأمل والفرح: بعد أن سألهما الرَّب عن الأمور التّي كانا يتكلمان عنها، أجاب كَلِيُوبَاسُ في الآية 18: "هَلْ أَنْتَ مُتَغَرِّبٌ وَحْدَكَ فِي أُورُشَلِيمَ وَلَمْ تَعلم الأُمُورَ الَّتِي حَدَثَتْ فِيهَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ؟" ويتّضح من الجواب، أن كَلِيُوبَاسُ تشجّع بعض الشّيء بسبب السّؤال، لأنّه أتاح له فرصة للحديث عن الرَّب يسوع المسيح وسط الحيرة والألم وفقدان الأمل.
لم تكن المشكلة في معرفة الحدث، بل كانت في معرفة غاية الحدث، وتفسيره التفسير الصحيح. قال التلميذ: "كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل." ومن الجليّ من سياق الكلام أن المقصود بفداء إسرائيل في كلمات كَلِيُوبَاس هو فداء سياسي، غير عالمٍ أن الرَّب فعلًا قد فدى إسرائيل، وفدى كل العالم أيضًا، وأن هذا الفداء لم يكن سياسيًّا، بل فداء من الخطيَّة والموت والعقاب الأبدي في بحيرة النّار والكبريت. يريد النَّاس فداءً أرضيًا مؤقتًا، ولا يريدون الفداء من سلطة الخطيَّة والموت.
إذا تأمّلنا فيما قاله كَلْيُوبَاسُ، فسنجد أنّه كان بسيطًا ومحدودًا في فهمه للأحداث، فقد قال عن الرَّب: "أنّهُ كانَ نَبِيًّا مُقْتَدِرًا فِي الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ." لكن يسوع "ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ." (لوقا 27:24) لا بد أنّه حدّثهما عن سقوط آدم وحواء في الخطيّة ووعد الله لهما بالخلاص. وكذلك عن إبراهيم وفداء ابنه اسحق بالذّبيحة، وعن حَمَل الفصح والحيّة النحاسيّة... وعن الخروج العظيم من مصر. وعن النبوّات الكثيرة فيما يتعلّق بالعبد المتألم في إشعياء 53. وأهم ما قاله لهما: "أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهَذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟" (لوقا 26:24)
لقد كانت مشكلة التلميذين هي في فهم رسالة الصّليب وقبول حقيقة ما جرى، لذلك ساعدهما الرَّب أن يدركا بأن الصّليب هو الطّريق الوحيد للفداء والخلاص والحياة الأبدية. وكيف أن صليب العار والآلام قد أصبح صليب المجد والأفراح، وبأنه أساس الخلاص والفداء لكل من يأتي إلى الرَّب يسوع بالتّوبة والإيمان.
عندما يأتي الرَّب يسوع إلى حياتنا، فإنّه يُشْعِل أفكارنا بقصد أن يباركنا، والسّؤال هو: كيف نتجاوب معه؟ هل نقبل مبادرته ونجعله يكّلمنا مثلما فعل مع تلميذي عمواس؟ أم نرفضه ونبقى في فشلنا وحزننا؟ هل نتكّلم ونجترّ آلام الماضي وخبراتنا السّيئة ونعيش في الماضي؟ أم نسمح لكلمات الرَّب يسوع أن تشفينا وتزرع الأمل في وجداننا؟

3) اشتعل قلباهما باختبار جديد: عندما اقتربا إلى عمواس، لم يرد الرَّب يسوع أن يفرض نفسه عليهما "فَتَظَاهَرَ كَأَنَّهُ مُنْطَلِقٌ إِلَى مَكَانٍ أَبْعَدَ." (آية 28) لن يأتِ الرَّب إلى حياتنا بدون دعوة شخصيّة منّا. فهو يريد أن نطلبه بإرادتنا، وهذا ما فعله تلميذا عمواس حيث نقرأ أنّهما "أَلْزَمَاهُ"، أي طلبا منه بإلحاح. الله يريدنا أن نطلبه من كلّ القلب. الله يريد منّا أن نستخدم إرادتنا الحرّة في طلبه واللّجوء إليه. الله يترك لنا حرية الاختيار، فالقرار يعود لنا.
وفي البيت قبل تناول الطعام، "أَخَذَ (يسوع) خُبْزًا وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَنَاوَلَهُمَا." كانت هذه هي اللحظة الحاسمة والأخيرة من قبل الرَّب التي ساعدت التلميذين أن يدركا حقيقة الشّخص الّذي رافقهما وحدّثهما في الطريق. لقد تذكّرا موضوع البركة وكسر الخبز، وشاهدا آثار المسامير على يديه وهو يكسر لهما الخبز، لذلك "انْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَرَفَاهُ." (لوقا 31:24)
ما زالت عيون الملايين في العالم مغلقة ولا يعرفوا حقيقة الرَّب يسوع، لذلك علينا أن نصلّي لكي يساعد الله العالم أن يفتحوا عيونهم ويعرفوا من هو يسوع.
اختفى الرَّب يسوع عنهما بعد أن انفتحت عيونهما. فلم يعد موجودًا معهما في الجسد، ولكنّه معهما ومعنا حتّى اليوم بالرّوح. ثم قالا: "أَلَمْ يَكُنْ قَلْبُنَا مُلْتَهِبًا فِينَا إِذْ كَانَ يُكَلِّمُنَا فِي الطَّرِيقِ وَيُوضِحُ لَنَا الْكُتُبَ؟" (لوقا 32:24) التهب قلبا تلميذَي عمواس من حديث الرَّب. وصلاتي اليوم أن تلتهب قلوبنا أيضًا عندما نقرأ أو نسمع كلمات الرَّب يسوع. صلاتي أنّ يحيي الرّوح القدس قلوبنا جميعًا لندرك كم نحن بحاجة إلى الرَّب يسوع في كل يوم من أيامنا.
ربما البعض منا مثل تلميذَي عمواس، يسير في طريق الحزن والألم والحيرة والفشل، حيث لم يلتقِ بعد بالرَّب يسوع. ربما أن بعضنا ما يزال يبحث عن إجابة لما يمر به من وقت صعب ومن ألم في الحياة. ولكنّنا نحتاج حقًا إلى نار تلهب قلوبنا لندرك معنى قولنا أنّ الرَّب يسوع قام، وأنّه حي، وأنّه معنا، وأنّه هو الرّجاء الوحيد لعالمنا.
لم يضيِّع تلميذا عمواس الوقت، بل عادا إلى أورشليم لإخبار التلاميذ بالخبر العظيم. فهل نسرع إلى العالم لنخبرهم بأن الرَّب حي؟ وأنّه يحبّهم؟ وأنّه يريد لهم الحياة الأفضل في هذا العالم، والحياة الأبديّة في السّماء؟

المجموعة: نيسان (إبريل) 2020

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

247 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10624695