Voice of Preaching the Gospel

vopg

كان "شاول الطرسوسي" - ومعنى اسمه "سُؤْل" أي طلبة "من الله" - كما تبيَّن لنا من سيرة حياته أنه كان ذكيًّا ومثقّفًا، طيب القلب، مرهف الحسّ، محبًّا للخير، غيّورًا لله.

ولكن تعصّبه الأعمى لديانة آبائه جعله فظًّا شرسًا قاسِيَ القلب عديم الرحمة. فكان بذلك من أشدّ أعداء المسيح وأكثرهم خطرًا على المؤمنين به. فقيّد وسجن وطرد كثيرًا منهم، وكان موافقًا على قتل "استفانوس" شهيد المسيحية الأوّل، وحافظًا ثياب الذين رجموه... حتى افتقدته نعمة الله الغنية، وهو في طريقه إلى دمشق لإتمام مهمته الإرهابية على المؤمنين هناك.
"وَفِي ذَهَابِهِ حَدَثَ أَنَّهُ اقْتَرَبَ إِلَى دِمَشْقَ فَبَغْتَةً أَبْرَقَ حَوْلَهُ نُورٌ مِنَ السَّمَاءِ، فَسَقَطَ عَلَى الأَرْضِ وَسَمِعَ صَوْتًا قَائِلاً لَهُ: «شَاوُلُ، شَاوُلُ! لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟» فَقَالَ: «مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟» فَقَالَ الرَّبُّ: «أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ. صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ». فَقَاَلَ وَهُوَ مُرْتَعِدٌ وَمُتَحَيِّرٌ: «يَا رَبُّ، مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟» فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «قُمْ وَادْخُلِ الْمَدِينَةَ فَيُقَالَ لَكَ مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلَ» ... وَكَانَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لاَ يُبْصِرُ، فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ." (أعمال 3:9-9)
ولما طلب الرب من تلميذ اسمه حنانيا أن يذهب إليه ويضع يده عليه لكي يبصر حاول حنانيا الاعتذار عن المهمة لِما كان قد سمعه عن شرِّ وشراسة ذلك الرجل.
"فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «اذْهَبْ! لأَنَّ هذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ." (15:9) وقد اختار لنفسه اسم "بولس" ومعناه "صغير".
- إن الإعلان الذي تلقّاه بولس الرسول للبدء في تنفيذ مأمورية الرب له بتبشير الأمم كان واضحًا جليًّا، ورغم أن طريقه كان شائكًا مليئًا بالصعوبات والضيقات والآلام، إلا أنه لم يُلقِ سلاحه الروحي الذي تزوّد به من الرب مباشرة.
- بدأ رحلته التبشيرية الأولى من أنطاكية الواقعة شمال غرب سوريا آنذاك، مصطحبًا برنابا الملقّب "ابن الوعظ" فتنقّلا في مقاطعات آسيا الصغرى "تركيا اليوم" يعظان بكلمة الرب ويتلمذان كثيرين، ولكن ختام تلك الرحلة كان مؤلمًا جدًّا لبولس بالجسد على قدر ما كان مجيدًا جدًّا لعمل الرب: فبعدما بشّرا في قبرس ويافوس وأنطاكية بيسيدية تعرّضا لمقاومة شديدة من اليهود فانتقلا إلى مقاطعة "إيقونية" وبشّرا في دربة ثم جاءا إلى لسترة، حيث شفى بولس بالإيمان مُقعَدًا من بطن أمه لم يمشِ قط، فاعتبرهما كهنة الوثنيين من الآلهة، وأرادوا أن يذبحوا لهما الثيران ويعبدوهما. ولكن بولس رفض ذلك بكل رجاء ووعظهم بأن يعبدوا الله فقط. "ثُمَّ أَتَى يَهُودٌ مِنْ أَنْطَاكِيَةَ وَإِيقُونِيَةَ وَأَقْنَعُوا الْجُمُوعَ، فَرَجَمُوا بُولُسَ وَجَرُّوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ، ظَانِّينَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ. وَلكِنْ إِذْ أَحَاطَ بِهِ التَّلاَمِيذُ، قَامَ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ." (أعمال 19:14-20) فهل مات ثم قام أم ما الذي حدث له آنذاك؟ لقد أخبر عن ذلك مُكرَهًا في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس 2:12-5 فالذين كانوا يجرّونه كانوا يجرّون الجسد الفارغ فقط، أما الروح فكانت قد صعدت في رحلة مجيدة إلى "السماء الثالثة" حيث عرش الله إذ متّعه بإجازة رائعة، وأراه مناظر لا يسوغ لإنسان أن يتكلم عنها، وأسمعه كلمات لا يُنطق بها بين البشر. وهذا الوقت هو ما يعتقده الكثيرون.
أما رحلته التبشيرية الثانية فقد بدأها أيضًا من أنطاكية بعد أن تغيّرت بعض أفراس السباق. فبعد خلاف مع برنابا بسبب مرقس نقرأ: "وَأَمَّا بُولُسُ فَاخْتَارَ سِيلاَ وَخَرَجَ مُسْتَوْدَعًا مِنَ الإِخْوَةِ إِلَى نِعْمَةِ اللهِ. فَاجْتَازَ فِي سُورِيَّةَ وَكِيلِيكِيَّةَ يُشَدِّدُ الْكَنَائِسَ." (أعمال 40:15-41) وإذ سلكا نفس الطريق وجدا تيموثاوس في دربة ولسترة فأخذاه معهما. "وَبَعْدَ مَا اجْتَازُوا فِي فِرِيجِيَّةَ وَكُورَةِ غَلاَطِيَّةَ، مَنَعَهُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِالْكَلِمَةِ فِي أَسِيَّا... وَظَهَرَتْ لِبُولُسَ رُؤْيَا فِي اللَّيْلِ: رَجُلٌ مَكِدُونِيٌّ قَائِمٌ يَطْلُبُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ: «اعْبُرْ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ وَأَعِنَّا!»" (أعمال 6:16-9)
- وبما أن مكدونية هي أول مقاطعة من أوربا دخلتها البشارة بالمسيح على يد بولس الرسول - وهي الواقعة في شمال اليونان – فأدرك أهمية تلك الدعوة التي تلقّاها بولس وقد اعتبرها من الرب مباشرة.

أولاً: اعبر إلينا

1- "اعبر إلينا" لأن لديك رسالة واضحة: فقد ضعنا بين فلسفات الأبيقوريين والرواقيين والسفسطائيين. وتهنا بين مدرسة سقراط وتعليم أرسطو ومدينة أفلاطون. أما أنت فحامل رسالة المعلّم العظيم الذي قال: "أنا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة." (يوحنا 12:8) هذا النور الذي اخترق قلب بولس وقلوب الكثيرين في كل زمان ومكان.

2- "اعبر إلينا" لأن لديك بشارة صالحة: فلقد بشّرَتْنا الفلسفات المادية والتعاليم البشرية بالموت والفناء، أو بالهلاك وهول العقاب. أما أنت فتحمل لنا:
- بشارة بالأمل والرجاء والخير والبقاء، فهي تعلن عن محبة الله لجميع بني البشر وهو "يريد أن جميع الناسِ يخلصون، وإلى معرفة الحقّ يُقبِلون." (1تيموثاوس 4:2)
- بشارة بخلاص مجاني بلا ذبائح ولا قرابين ولا إماتات ولا أعمال، بل بالقلب المؤمن التائب المعترف بفداء المسيح.
- بشارة برجاء الحياة الأبدية لجميع الذين يؤمنون بكفارة دم المسيح.
- بشارة بعناية الله الدائمة لشعبه وحفظه لجميع المؤمنين به.

3- "اعبر إلينا" لأن لديك مشورة ناصحة: فما أكثر الأفكار الفاسدة والمشورات الدنسة التي يعطيها العالم والشيطان والجسد والتي تدفع إلى حياة الفجور والفسق والمتعة الجسدية كما تعلّم الآلهة الوثنية الكثيرة التي نتعبّد لها. فأنت تحمل كلمة الله التي تقول: "أُعلّمك وأرشدك الطريق التي تسلكها. أنصحك. عيني عليك." (مزمور 8:32)
لما صدر قضاء الله بعقاب نبوخذنصّر ملك بابل وأعظم ملوك عصره، فإنه احتاج إلى نصيحة شابٍ مسبيٍّ عن أرضه وحتى بيت أبيه اسمه "دانيال" فقد فسّر له حلمه ثم قال له: "لذلك أيها الملك، فلتكن مشورتي مقبولة لديك، وفارق خطاياك بالبرِّ وآثامكَ بالرحمة للمساكين، لعلّه يُطالُ اطمئنانُك." (دانيال 27:4).

ثانيًا: أعنّا

وما أقصرها من رسالة؛ دليل اللهفة والعوز والضرورة، والاستجداء السريع.

1- أعنّا لأننا في ضنكٍ وحاجة ليس إلى اللباس والطعام الجسديين بل إلى لباس البرّ الذي يمنحه الرب وإلى الخبز النازل من السماء الواهب حياة للعالم. ونحن نوجّه طلب المعونة لمن هو مؤتمن على رسالة الرب يسوع المسيح وإن كان قد دُعي "بولس" أي الصغير فإن لديه ما لا يملكه إمبراطور أو ملك عظيم أو أيٍّ من عظماء هذا العالم.

2- أعنّا لأن لديك ما يساعدنا على التخلّص مما نحن فيه من شرّ وضلال. فمن الصعب علينا التخلّص ممّا يرثه الإنسان من أسلافه ومن ذويه ومن أصحاب التديّن الكاذب ومن مدّعيه، فقد أدخلونا في ظلمة روحية دامسة من الشرور والفساد والعوائد البطالة التي نرجو التخلّص منها بواسطة كلمة الحياة التي تحملها. والإرسالية التي أمرك بها الرب بقوله: "وَلكِنْ قُمْ وَقِفْ عَلَى رِجْلَيْكَ لأَنِّي لِهذَا ظَهَرْتُ لَكَ، لأَنْتَخِبَكَ خَادِمًا وَشَاهِدًا بِمَا رَأَيْتَ وَبِمَا سَأَظْهَرُ لَكَ بِهِ، مُنْقِذًا إِيَّاكَ مِنَ الشَّعْبِ وَمِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ أَنَا الآنَ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِمْ، لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ، وَمِنْ سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ إِلَى اللهِ، حَتَّى يَنَالُوا بِالإِيمَانِ بِي غُفْرَانَ الْخَطَايَا وَنَصِيبًا مَعَ الْمُقَدَّسِينَ." (أعمال 16:26-18)
فما أروعه من عبور قام به ذلك الخادم الأمين وكان سبب خلاص لقارة بأكملها وانتشر منها إلى كل جهات العالم حتى يومنا هذا. فمن كانت لديه الدعوة من الرب والقدرة على الحركة، ما زالت هناك زوايا في هذا العالم الواسع وكثيرون يصرخون: "اعبر إلينا وأعنّا."

المجموعة: حزيران (يونيو) 2021

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

103 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10629702