Voice of Preaching the Gospel

vopg

الأخت أدما حبيبيلقد أقمتُ المدينة وأقعدتُها بفعل شروري العظيمة. سرقتُ في كلِّ مرةٍ سنحَتْ ليَ الفرصة، ومددْتُ يدي إلى كلِّ ما لا أملِكُه. أخذْتُ كلَّ ما وقعَتْ عليه عينايَ وجمعتُه في بيتي وتحتَ سقفي.

أنا لا أملِكُ شَروى نقير. وكل ما لديَّ الآن هو من جمْع يديَّ هاتين اللَّتين تعوَّدتا على النشلِ والاحتيال والنَّصب والسَّرقة.
والآن، أجلِ الآنَ دقَّت ساعةُ الحقيقة، فقد أُلقي القبضُ عليَّ وأُودِعْتُ السِّجنَ المظلمَ البارد منتظِرًا تحقيقَ الحكمِ فيَّ. وفي كلِّ مرَّةٍ أسمع فيها خطواتِ الحارس أنتفِضُ من مكاني كالقِطِّ المرتعِد. فاليومُ باتَ قريبًا حين سيُنفَّذ فيَّ حكمُ الإعدام. آهٍ، ماذا فعلتُ ولماذا تصرَّفتُ على هذه الشاكلة؟ ولِما كلُّ هذه الأفعالِ المُشينة التي ارتكبْتُها؟ أينَ المناصُ، أينَ الخلاصُ في سجنٍ كهذا؟ أين؟ آه، إنَّني أحسُّ أنَّ يدًا تريدُ خَنْقي، فالوقتُ يقتربُ وتقتربُ معه ساعةُ الانفصالِ والفراق.
هـ… هوذا الحارسُ يضعُ المفتاحَ الكبيرَ في القِفل، ها هو يفتح البابَ الثقيل ببطء... أرجوك، أرجوك! دعْني أموتُ هنا. لا، لا أريدُ أن أذهبَ... وقبعْتُ في الزاوية المُظلمة أرتجفُ... فصرخ فيَّ الحارس وقال: أين أنتَ أيُّها اللصُّ اللَّعين؟ إنَّني لا أراكَ… فنادَيْته من زاويتي الباردة وقلتُ: أنا... أنا هنا. أتيتَ لتنفذ فيَّ حكمَ الإعدام؟ أجل، جئتَ لتَجُرَّني إلى الموضع المشؤوم حيثُ يسمِّروني على الصليب؟ وهناك سأقاسي آلامَ الموت المُبرِّحة؟ آه... ما أتعسني، ما أشقاني!
سَخِر مني الحارس وقهقهَ ضاحكًا بصوت مزعج ودنا إليَّ ووضع السلاسل في يديَّ وجرَّني إلى هناك حيث الصليبُ الخشبي ينتظرني. مشَيْتُ بخُطى وئيدة أجرُّ جسَدي المنهَك جرًّا دون أن أقاوم. فلقد خارتْ قواي أمام تنفيذ قرار الإعدام فيَّ بعدَ لحظات. ولمَّا وقعْتُ على الأرض ركَلَني الحارسُ برجله كما يُركَل الحيوان. أحسستُ برجله تغوصُ في خاصرتي فزادت آلامي ورحتُ أصرخ وأبكي بكاءً لم أفعلْه قطُّ في حياتي.
أهو بكاءُ النَّدم على ما فعلَتْه يدايَ هاتان؟ أم أنَّه بكاءُ الخوف من الموت؟ وأخذتنْي هواجسُ عديدة لم أعهدْها مسبقًا. وما هي إلَّا لُحيظات حتى وُضِعتُ أنا وزميلي فوقَ صليبين من خشب. فكلانا في الجُرم سيَّان. أنا عن اليمين وهو عن اليسار. وصرخْت أنا نفسي صرخةً دوَّت في كل الأرجاء حين بدأ الجنود الرومان بدقِّ المسامير في يديَّ ورجليَّ. أحسستُ أنَّ عظامي بدأت تتهشَّم ولحمي يتمزَّق وراح دمي ينزفُ نزفًا. وكلُّ هذه الآلام لم تكن لَتُقارَنُ بالآلام الفظيعة التي شعرتُ بها حين رفعوا الصَّليب فهَوى ثقلُ جسدي كلِّه على يدي وصدري. عندها تصبَّبَ العرّقُ مني، وبدأتُ أتنفَّس بصعوبة لا توصفُ وكِدْتُ أفقدُ الوعي. وبينما أنا على هذه الحال المُزرية تناهى إلى مسمعي استهزاءُ الرؤساء وتهكُّمهم بملكِ اليهود. أجل، الرجل الذي صلَبوه في الوسط. إذ لم يصلِبوه فحسب، بل وضعوا على جبينِه إكليلًا من شوكٍ غرزوهُ بقسوة وفظاظة ليس لهما مثيل. كما علَّقوا يافطة فوقَه تقول: هذا هو ملك اليهود. أمَّا يسوع، وهذا اسمُه، فقد نطقَ بألفاظٍ عجيبة غريبة. إذ سمعته يطلب من الله الغفران لكلِّ مسيئيهِ ومُعذِّبيه. قال: "يا أبتاه، اغفرْ لهم لأنَّهم لا يعلَمون ماذا يفعلون."
على الرغم من آلامي وأنيني رحتُ أفكِّرُ في هذا الإنسانِ العجيب الذي لم يرتكبْ حماقةً أو جُرمًا كما فعلْتُ أنا وزميلي. وقلتُ في نفسي أيُعقَلُ أن يغفِر لصالبيه؟! ها هو يطلب من الله الغفران لهم لأنَّهم لا يعلمون ماذا يفعلون. وكأني به يُعطيهم عُذْرًا. فيَنْشدُ الصفحَ لهم! وبقيت أتساءل دون أن أجدَ لتساؤلي جوابًا.
وبينما كنا في هذه الحالة من الألم والوجع، سمعنا الرؤساء يتهكَّمون بيسوع ويقولون:
"خلَّص آخرين، فليخلِّص نفسَه إن كان هو المسيحَ مختارَ الله!"
كما سخِر منه الجنود الرومان أيضًا إذ أعطوه خلًّا ممزوجًا بمرارةٍ ليشرب وقالوا له:
"إن كنت أنتَ ملكَ اليهود فخلِّص نفسك."
وما هي إلا لحيظات حتى أُصيبَ رفيقيَ اللِّص المحترف مثلي، بداءِ السخرية ذاته فصار يقول مجدِّفًا: "إن كنتَ أنت المسيح فخلِّص نفسَك وإيّانا." عندها ذاب قلبي في أحشائي وتعجَّبت من كلامه هذا وهو المشرِفُ على الموت في أيَّة لحظة. فقلت له بنَفَسٍ مرتجفٍ ومتقطِّع منتهرًا إياه:
- "أوَلا أنتَ تخافُ الله، إذ أنتَ تحتَ هذا الحُكْم بعينِه؟ أمَّا نحن فبعدْلٍ، لأنَّنا ننالُ استحقاقَ ما فعلْنا، وأمَّا هذا فلم يفعلْ شيئًا ليسَ في محلِّه." (لوقا 40:23-41)
لم ينبُس زميليَ المحترِف ببِنتِ شَفة، بل وبعدَ بُرهةٍ قصيرة غاصَ في غيبوبةِ الموت المرعِبة. أما أنا فقد انتابتْني قشعريرةٌ في داخلي، إذ بأيِّ حقٍّ يستهزئ زميلي بهذا المسكين الذي عُلِّق في الوسط بينَنا؟
وبعدها صارتْ خطاياي تمرُّ أمام ناظريْ واحدةً تلو الأخرى. فازددتُ خوفًا ورعبًا. عندها تذكَّرت... نعم تذكّرت... فنظرتُ بروحٍ نادمة، وقلبٍ تائب إلى المسيح، الذي سمعتُه بأذنيَّ يطلبُ الغفران لصالبيه، وبكلِّ انكسارِ قلبٍ وانسحاق في الروح قلت له ونَفَسي يتسارع: "اذكُرني... يا رب... متى... جئتَ في ملكوتِك..." وما أن أنهيتُ كلماتي هذه حتى سمعْتُه يقول لي بلهجة واثقة أكيدة:
"الحقَّ أقولُ لكَ: إنَّكَ اليوم تكونُ معي في الفردوس."
غمرَني عندها فرحٌ عجيب، عمَّ كياني كلَّه. فها هو ينبِئُني بكلماتٍ لم أسمعْها في حياتي كلِّها. اليوم سأكونُ معه في الفردوس، أنا اللِّصُّ الرهيب! سأكون معه في دار النعيم؟ يا للعجب! ما هذا الوعدُ العظيم. ورحتُ أحلُم بتحقيق هذا الوعد طالما أنَّه أضحى قريبًا وقريبًا جدًا. وابتدأ جسمي يرتعش، ورأيت الجنود يقتربون مني وفي أيديهم السياطُ الكبيرة. حاولتُ أن أفوه بكلمة فلم أستطع. فضرَبني واحدٌ منهم ضربةً على ساقيَّ فهشَّمهما تهشيمًا. وسمعت صوتي يتحشرجُ فشهقْتُ بعدها شهقةً كانت هي... الأخيرة...
ولكن، حين فتحتُ عينيَّ نظرتُ حولي فإذا بي في مكان جميل هادئ، كلُّه نور وإشراق. وموكبٌ من الملائكة يستقبلني بابتهاجٍ ليس له مثيل. ورأيتُ أفواجًا، أفواجًا تأتي لترحِّب بقدومي والفرحُ بادٍ على محيَّاهم جميعًا. وبينما أنا مأخوذ بهذه المناظر الباهرة، إذا بي أسمعُ إيقاعَ الموسيقى الجميل الذي بدأ يصدحُ ويعمُّ المكان، موسيقى لسيمفونيةٍ رائعة لا مثيلَ لها. فسألتُ ما الدَّاعي وما المناسبة لكلِّ هذه الاحتفالات؟ قالوا: نحن نستعدُّ لقدوم الملك العظيم الذي أتمَّ مهمَّته وأكملَ رسالته على أعظم وجه. فالتفتُّ لأرى مَنِ القادم؟ فإذا بي أرى: "مثلُ ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام، فقرَّبوه قدَّامه. فأُعطيَ سلطانًا ومجدًا وملكوتًا لتتعبَّدَ له كلُّ الشعوب والأمم والألسنة. سلطانُه سلطانٌ أبدي ما لن يزول، وملكوتُه ما لا ينقرض." (دانيآل 13:7-14)
غمرني للوقت فرحٌ عجيب ورحتُ أنا اللصُّ التائب أترنَّم ترنيمةَ الخروف المذبوح الذي غَفر بنفسه خطاياي وسَتر كلَّ عيوبي. وفُهت عندها بكلام لم أعهدْه من قبلُ في حياتي:
يا شعبُ قد نال النَّصيب، أعطوا الكرامةَ للحبيب
عن حمدِه لا تسـكُتوا، هاتوا العطورَ والسكيب
قولوا تألَّم واحتــمل، أعطى الخلاصَ والأمـل
جاء إلينا كالحمـَــل، مع أنه اللهُ العجيب
غنّوا معي: ولَّى القصاص! قولوا: به تمَّ الخـلاص!
غاصتْ شروري كالرَّصاص، في لُجةِ اليمِّ الرهيب
مَنْ عُلِّقَ الكونُ عليـه، عنّي تعلَّق من يديه
تسرَّب الموتُ إليـه، مع أنه الحيُّ الرقيـب
التوقيع: أخوكم اللصُّ التائب

المجموعة: نيسان (إبريل) 2021

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

226 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10624911