Voice of Preaching the Gospel

vopg

يتكلَّم لنا الرب يسوع في بداية موعظته على الجبل بكلماتٍ لا يفهمُها العالم،

وهي غريبةٌ عن كلِّ منطقٍ بشَريٍّ حتى لتبدو وكأنَّها متناقضة لكنْ يفهمها كلُّ من آمن به. يقول لتلاميذه والجموع من حوله: "طوبى للمساكين بالروح، لأنَّ لهم ملكوتَ السماوات. طوبى للحزانى، لأنَّهم يتعزَّون. طوبى للودعاء، لأنَّهم يرثون الأرض." (متى 2:5-5)
كلمة "طوبى" تعني "مبارك" أو "ما أسعد". طوبى للمساكين بالروح، أي ما أسعد الفقراء بالروح. ثم ما أسعدَ الحزانى لأنّهم يتعزّون. وأيضًا طوبى للودعاء الأقوياء لأنّهم يرثون الأرض. هنا منطق سماوي. تُرى، ألسنا بحاجةٍ ماسّة لأن نفهم سرّ السعادة والبركة في هذا العالم الذي يكادُ يحترق؟ وخاصةً الآن بسبب ما يجري في بلادنا من صراع أليم يبدو قد شطَر العالم إلى شرق وغرب (روسيا والصين) من جهة و(أميركا وحلفائها) من جهة أخرى. وللأسف نجد أنَّ الإنسان الطبيعي لا يستطيع أن يطبّق حتى القوانين التي سنّها هو من خلال الأمم المتحدة. وما نراه يحصل من قتل وتدمير يجعلنا نقول بأنَّه لا يوجد مخلوق أو حتى حيوان يقدر أن يرتكب هذه الأعمال الشَّرسة والتي لم تقتصر على الدول بل تسرَّبت روح الكراهية إلى بعض الكنائس أيضًا. ألم يقلْ يوحنا برؤياه: "من يظلم فليظلمْ بعد. ومن هو نجس فليتنجّس بعد. ومن هو بار فليتبرَّر بعد. ومن هو مقدّس فليتقدّس بعد" (11:22)؟ فلنحذرْ إذًا من الانجراف مع التيار. وما نراه هنا في التطويبات هو خارطة طريق كدليلٍ لنا لحياةٍ مباركة إذا ما تبعناها نتبارك في بيوتنا وكنيستنا وعملنا.

1- طوبى للمساكين بالروح لأنَّ لهم ملكوت السماوات

أ- فالتطويبة هي لمَن أدركوا أنهم فقراء روحيًّا وهم مُعدومون لا حولَ لهم ولا قوة بدون نعمة المسيح وليس لهم برٌّ ذاتي إطلاقًا. أتذكُر كيف صلّى الفريسي في الهيكل؟ كان مليئًا من الأنا، "أصلّي... وأعشِّر..." أمَّا العشّار فلقد أقرَّ بإفلاسه إذ قال: "[اللهمّ ارحمني أنا الخاطئ.] ... هذا نزل إلى بيته مبررًا دون ذاك." (لوقا 13:18-14) إذًا عليك أن تأتي إلى الرب مكسورًا ومعلِنا إفلاسَك الروحي. ألم يقُلِ النّبيّ في القديم عن المسيح "مسَحني لأبشِّرَ المساكين، أرسلني لأعصبَ منكسري القلب." (إشعياء 1:61-2)؟ أما المتديّن فهو لا يقدر أن يخلّص نفسه، إذ ليس هناك أفقرُ من إنسان مُعدَم يظنُّ أنَّه غني وهو فقير... هذه هي حالة الإنسان بدون يسوع! انظر إلى الأثرياء العِظام كأمثال مارلين مونرو التي وعلى الرغم من المال والجمال والشهرة إلا أنَّها أقرَّت أنها أتعسُ إنسانة، وكذلك ماثيو بيري الذي قضى مؤخرًا بفعل المخدّرات. هكذا أيضًا كان لسان حال المؤمنين في كنيسة لاودكية: "أنا غنيّ وقد استغنيت، ولا حاجة لي إلى شيء، ولستَ تعلم أنَّك أنت الشقي والبئس وفقير وأعمى وعريان." (رؤيا 17:3) وهذه الكنيسة تصف تمامًا حالة الكنائس في أميركا اليوم فالبعض يعتبرها بأنَّها غنيّة مادّيًّا وقويّة سياسيًّا لكنَّها بالحقيقة ضعيفة روحيًّا. إذ صاروا يتكلّمون من على المنابر بالسياسة الحاقدة أكثر من السياسيين أنفسهم! لهذا يقول الرب للأسف.

ب‌- هؤلاء المساكين بالروح لا كنزَ لهم سوى المسيح، هكذا كانت الكنيسة الأولى إذ يقول الرسول: "كفقراء ونحن نُغْني كثيرين، كأنْ لا شيءَ لنا ونحن نملِك كلَّ شيء." (2كورنثوس 10:6) أمّا الرب يسوع فقال محذّرًا: "لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض حيث يُفسِدُ السوس والصّدأ... بلِ اكنزوا لكم كنوزًا في السماء... لأنّه حيث يكون كنزُك هناك يكون قلبك أيضًا." (متى 19:6-21) وبالطبع هذا يؤثِّر على نظرتِك للعالم. فامتحِن نفسك. الناس تجمِّع النقود وتستثمرُها لربح المزيد. لكنَّ الله يحب أن يكون عندك حكمة لتستثمرَ في ملكوته هو ولا تكنْ كالغني الغبي الذي كنزَ لنفسه وهو ليس غنيًّا لله. (لوقا 20:12-21)
ج- يدركُ المسكين بالروح أنَّه "لا بالقدرة ولا بالقوّة، بل بروحي قال رب الجنود." وهو بحاجة إلى تغييرٍ جذريٍّ من الرب، ويبدأ بالولادة الثانية، ويستمّر التغيير يوميًّا بالروح القدس تمامًا كما يقول بولس في رومية 12: "تغيَّروا عن شكلِكم بتجديد أذهانكم." أي أن تتغيَّر طريقة تفكيرك حتى لا يؤثِّرَ العالم عليك وتنظر إلى الأمور كما ينظر إليها يسوع.

2- "طوبى للحزانى، لأنّهم يتعزَّوْن."

تُرى عن أيِّ حزنٍ يتكلّم؟ حين تستمع إلى الأخبار تشعر بالاكتئاب فورًا. وهنا أتذكّر حين كنتُ في الحرب بلبنان وقتَ الاجتياح الإسرائيلي، وكيف كان الناس يأتون بالمصابين إلى مستشفى الجامعة لنضمِّد جراحهم فنسمع أنينهم وصراخهم. وكيف كان هذا يؤثّر علينا في آخر النهار. أمَّا هنا فهو يتكلم عن أنواع للحزن:

أ- حزن التوبة: "لأنَّ الحزنَ الذي بحسب مشيئة الله ينشئ توبةً لخلاصٍ بلا ندامة." (2كورنثوس 10:7) أي أنَّ الرب يحوّل الحزن إلى فرح. ألا يقول يوئيل النبي: "ولكن الآن، يقول الرب، ارجعوا إليَّ بكلّ قلوبكم، وبالصوم والبكاء والنوح... وارجعوا إلى الرب إلهكم لأنَّه رؤوف رحيم." (12:2-13) حتى نحن أولاد الرب يمكنُنا أن نرجع إليه قائلين: "اختبرني يا اَلله واعرف قلبي... وانظر إن كان فيّ طريقٌ باطلٌ، واهدني طريقًا أبديًّا." (مزمور 23:139) وكما أنَّ الألم يسبِقُ الولادة الجسدية هكذا أيضًا الحزن يسبِق الولادة الروحية فينشئ فرحًا وتعزية. هذا ما يقوله النبي إشعياء: "لأجعلَ لنائحي صهيون، لأُعطيهم جمالًا عِوضًا عن الرماد، ودهن فرحٍ عِوضًا عن النوح، ورداء تسبيح عوضًا عن الروح اليائسة." (3:61)

ب- حزن المحبة: حين أخذتُ ابنتي نايلة معي لأول مرة إلى مصر كانت في الثامنة عشرة من عمرها. وفي طريق عودتنا بالطائرة رأيتها تبكي. قلتُ لها إذا كنتِ تبكين على الناس المتألمين في تلك الأحياء الشعبية فهذا جيّد يا ابنتي. لأنَّ هذا يحثُّكِ على عملِ شيءٍ ما لتساعدي أكثر وتُظهري لهم وجهَ يسوع المسيح. وهنا أذكر ما قاله الرئيس الأمريكي لنكولن عن والدته المؤمنة إذ بينما كانا يسيران في الطريق مرةً شاهدا عبدًا أسود يُجلَد لأنَّه حاول الهرَب. قالت له: "أنا حزينة من أجل أيِّ إنسان لا يشعر بالسّوط الذي يُلهِب ظهرَ أخيه الإنسان." ويقول لنكولن: "إنَّ هذه الجملة كانت بمثابة حافز له ليعملَ على تحرير العبيد من العبودية. نعم، لا يمكن أن تكون مؤمنًا حقيقيًّا وتفرح بقتل الأولاد، أو ترى ألم الناس ولا تتعاطف مع المظلوم.

ت- الحزن مع المتألّمين: لا تستطيع أن تعيشَ في برجك العاجي بعيدًا عن آلام الناس والشعور معهم. فهذه ديانة مزيَّفة. تأثَّرت جدًّا بقصة السيدة (ليزا) التي آمنت بالمسيح وهي من خلفيّة يهودية. هذه ذهبت مؤخّرًا إلى إسرائيل ورأت بأمِّ عينها ما يحصل من عنفٍ وقتلٍ وتدمير فقالت في مقابلة إذاعية لها: "أنا حزينةٌ جدًا على ما جرى من هجوم وخطف للأبرياء في إسرائيل، وكذلك حزينة على أطفال غزّة والأمهات؟ حزينة على الفلسطينيين الذين ما زالوا يعانون منذ العام 1948 حتى الآن. وهناك دَعت إلى اجتماعٍ ضمَّ الكثيرين من اليهود والفلسطينيين الذين بعد أن تحدَّثوا سويَّةً صلّوا في النهاية صلاة التوبة... يا للمفارقة! فبعض الكنائس التي تدَّعي المسيحية، تتكلّم عن المحبة ثم تؤيِّد الظلم والقتل والحرب. وهذا ما يُحزن قلب الرب الحنون إذ بكى على أورشليم ودعا إليه الأطفال قائلًا: "لأنَّ لمثل هؤلاء ملكوت الله." (مرقس 14:10) هذه هي أحشاء الرب الحقيقيّة وهو لا ينحازُ إلى جهة ضدَّ أخرى.

3- "طوبى للودعاء لأنّهم يرثون الأرض."

عن أيِّ أرضٍ يتكلّم هنا؟ يتكلّم للجمع حوله من اليهود. كانوا ينتظرون مجيئه كملك، ويظنّون أن الأرض ليست لأحدٍ سواهم. لكنَّه يقول هنا إنَّ الودعاء واللّطفاء فقط هم الذين يرثون الأرض. ويدعو الرب يسوع أن يتعلّموا منه هو لأنَّه وديع ومتواضع القلب. (متى 29:11) فما هي الوداعة؟ أليست هي قوّةً من غير ضعف ولطفًا من غير عنف؟ يظنّها البعض ضعفًا. كلّا، بل هي قوة الله وشجاعة المسيح، فالوديع هو الذي يحتمل ويضبط نفسه. هذه الوداعة نراها واضحة حين ألقوا القبض على المسيح إذ قال لهم: "إنِّي أنا هو (أنا يهوه)، رجَعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض." (يوحنا 6:18) كان يمكن للمسيح أن يطيحَ بكلّ العسكر لكنَّه بوداعةٍ أسلمَ نفسه لهم وذهب إلى الصليب. إذًا الوداعة هي مناقِضة لكلِّ عنفٍ وعَداء، وكلِّ كبرياء ورياء وادِّعاء. هذه هي الروح الوديعة التي ينبغي أن نعيشَها كما قال يعقوب: "من هو حكيمٌ وعالمٌ بينكم، فليُرِ أعماله بالتصرُّف الحسَن في وداعة الحكمة." (13:3) قال بيلي غراهام في هذا الشأن: "لقد مجَّد أبناءُ هذا العصر الرذيلة وقلَّلوا من قيمة الفضيلة واللطف. وهكذا غَدَونا أغنياءَ في المعرفة لكنَّنا للأسف فقراء في وداعة الحكمة." فنحن أحبائي لا يمكننا أن نقاوم الحقد بالقتل. ولا الظلمة بالظلمة، بل بنور المسيح. الظلم يقاوَم بروح العدل وروح الوداعة والنعمة، وبنور المسيح وبالمحبة الكاملة التي تطرح الخوف إلى خارج. فيا بخت الودعاء لأنَّ ميراثهم الحقيقي هو ميراثٌ روحيّ وأبديّ.

المجموعة: شباط (فبراير) 2024

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

165 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10625112