Voice of Preaching the Gospel

vopg

لقد مضى إلى الرب لكي يرى أجمل وجه على الإطلاق، وجه الرب يسوع المسيح،

ذاك الذي أحبّه الأخ نوفل كثيرًا وكان بأشدّ الشوق لرؤيته. لقد ناهز الأخ الحبيب الـ 97 عامًا عندما دعاه الرب إلى بيته الأبدي المنشود، فقَبِل الأخ نوفل الدعوة السماوية بوجه منير، وأذرع مفتوحة، وقلب ملؤه الغبطة.
كان الأخ نوفل أكبر الإخوة سنًّا بين جماعات الإخوة في فلسطين، عدا عن كونه أوّل أخ يقبل الرب ويجتمع باسمه.
كان أسطورة حيّة نابضة في حياته. ليس فقط لأن الرب استخدمه لتأسيس سبعة اجتماعات، بل لأن رئيس الرعاة - الرب المبارك - استخدمه لإعلان بشارة الإنجيل المجيدة للجميع بلا حدود أو قيود، أو أي تفضيل بين شعب وديانة.
كان معروفًا ليس فقط في بلدته “أبو سنان” ومحيطها، بل في أغلب القرى والمدن على طول البلاد وعرضها.
وُلد الأخ نوفل باسم “نواف البعيني” في جبل الدروز، في محافظة السويداء، في سوريا الشام، حوالي عام 1910، وترعرع في عائلة درزية عريقة. كان متديّنًا منذ نعومة أظفاره لكنّه تيتّم صغيرًا من أبيه وأمّه. فترك إخوته، ومضى يبحث عن مصدر رزقه ليجد سببًا للمعيشة، وهو لم يدرِ أنه سيجد الحياة. فمضى سيرًا على الأقدام إلى لبنان أوّلًا ومن ثم إلى تركيا. ثم توجّه جنوبًا إلى نواحي مصر وليبيا مرورًا بفلسطين وسيناء، ومنها إلى السودان وأثيوبيا حتى وصل إلى كينيا والكونغو. وبعد أن مضى سنتان من ترحاله استقرّ في الخرطوم عاصمة السودان. وكان يعمل هناك في مخبز للحلويات، وبعد ذلك عند ميكانيكي محرّكات في ورش للجيش البريطاني.
كان الأخ نوفل يعاني من صراع شديد ينخس أوصاله لكي يعرف الحقّ، ويعرف الله، ويبحث عن السلام الحقيقي الذي كان يتشوّق إليه. كان قلبه ينوء تحت ثقل الخطيّة وشناعتها، فكان يصرخ إلى الله دائمًا وبمرارة لكي يخلّصه من نفسه الخاطئة.
وأثناء عمله في المخبز، صادف تاجرًا متجوِّلًا يعرض بعض الكتب للبيع على “صندوق مقلوب” من الخشب على قارعة الطريق، فظنّ أن هذه الكتب هي روايات فيها قصص أبطال. وكدرزي أحبّ هذه الروايات البطوليّة، ولم يعلم أنه سيحمل نسخة من الكتاب المقدس باللّغة العربيّة.
ابتدأ يقرأ الكتاب المقدس، ووصل إلى العهد الجديد، وانبهر من تعاليم الربّ الذي جذبه بكامل حواسه وحذافيره؛ مسلّطًا عينيه على التعاليم النقيّة عن المحبّة، والرحمة، والمغفرة، والبرّ، والطهارة، والحكمة، والسلوك الحسن. وجال يجوب جبال الكتاب الشامخة ووديانه السحيقة قارئًا الكتاب المقدس ليلًا ونهارًا، إلى النهاية. وبعد صراع مع نفسه ضدّ الإحساس بالعار والخزي في قلبه من الخطيّة، قام وصلّى صلاة بدائيّة، واعدًا الربّ أن لا يخطئ منذ ذلك الحين فصاعدًا. وكم كانت حسرته شديدة عندما وقع بالخطيّة، إذ عاب نفسه ولامها على السقوط بالخطيّة سيّما وأنه كسر تعهّده مع الربّ. واستمرّ الوضع على حاله، يعدُ الربّ ويُخطئ، ثم يعده من جديد وسريعًا يُخطئ بعد ذلك. واستمرّ هذا الوضع المرير يؤلم قلبه إلى أن استجاب الربّ، ووصل الفرج، وانفرجت أساريره عندما التقى أخًا غاليًا على قلبه من الإخوة المصريين وهو الأخ برسوم ميخائيل؛ هذا الخادم الأمين الحكيم والمختبر الذي جالسه وشرح له الإنجيل، وقاده ليعرف الحقّ ويفهم أن النصرة على الخطيّة هي بسفك دم المسيح على صليب الجلجثة.
بعد ذلك انتقل الأخ نوفل من السودان إلى مصر، وبقي هناك مع الإخوة قرابة السنتين يدرس كلمة الله ويتعلّمها مع الإخوة في القاهرة وأسيوط والإسكندرية. ثم عاد الأخ الحبيب إلى سوريا، إذ ابتغى من كلّ قلبه أن يوصّل إلى أهله وذويه هذا الاكتشاف العظيم الذي غيّر حياته؛ لقد أراد أن يأتيهم بالإنجيل لينير ظلمة حياتهم. وبعد محاولة إعلان الإنجيل في جبل الدروز وردود الفعل بالرفض، ترك المنطقة وتوجّه إلى لبنان، إلى بقية أهله في منطقة الشوف؛ وحتى هناك لم يجد للإنجيل قبولًا! وبعد صلوات لجوجة توجّه نحو “عسفيا” على إحدى قمم جبل الكرمل قرب حيفا. وفيما هو في المنطقة اندلعت حرب عام 1948، وأُغلقت الحدود مع سوريا، واستقرّ حاله في تلك البلاد؛ إذ خطّط له الرب طريقًا ضيّقًا ليسير فيه، فأطاع الرب، وتمّم مرامه هناك.
سكن في البداية في حيفا، ثم انتقل إلى عكّا. وقد كان يعمل في شركة مصافي البترول.
تزوّج الأخ نوفل (وهو في سنّ الأربعين) من الأخت وردة ميخائيل موسى، ورزقهما الرب عشرة أولاد، خمسة بنين وخمس بنات. وعندما انتقل الأخ نوفل إلى الأحضان السماوية وُجد أنه رغم وصوله إلى البلاد وحيدًا مثل يعقوب أبي الأسباط، إلّا أن الرب باركه فصار سبطًا كبيرًا - فالأبوان + 10 أولاد + 10 أزواج + 38 حفيدًا + 7 أزواج لأن سبعة منهم متزوجون + ولهم 11 ولدًا + و3 خطاب أولاد الأحفاد، مما يجعل مجموع أولاده وأحفاده وأنسبائه 81 شخصًا، غالبيتهم يعيشون في البلاد، وبعضهم في مصر وكندا وألمانيا.
أثناء الجنازة، شهد أحد زملائه في العمل عن أمانته ولطفه، ورضى إدارة الشركة عنه، وكيف أن جميع الموظفين كانوا يشهدون عن اهتمامه الدؤوب في العمل وأمانته الشديدة.
في نهاية كلّ يوم عمل - لدى إنهائه نوبته - كان يبدأ النوبة الثانية المكرّسة للربّ. وقد كان يقول: “الآن أنهيت عملي، والآن ابتدأ العمل للربّ”. وبطريقته الفريدة، كان يذهب إلى محطة الأتوبيس يجلس وينتظر الربّ، ويصلّي أن يوجّهه إلى الموقع الذي يريده، ويطلب إرشاد الروح القدس. كان يستقلّ أوّل حافلة تصل دون أن يعلم إلى أين ستأخذه. فزار بهذه الطريقة غالبيّة القرى في المنطقة، واستخدمه الرب بشكل مباشر وغير مباشر لتأسيس سبعة اجتماعات باسم المسيح مبتدئًا من عكّا. بعد ذلك انتقل اجتماع الإخوة الأوائل إلى كفر ياسيف، وانتقلت اجتماعات أخرى إلى كفر سميع، وحيفا، والرينة (قرب الناصرة)، وسخنين، وترشيحا، والقدس.
كان الأخ الحبيب نوفل يأكل البسيط من الطعام لقوت نفسه - كسرة خبز مع قطعة جبن - ليوفّر ثمن تذكرة الأتوبيس لليوم المقبل كي يسافر للخدمة، وأيضًا ليذّخر ما يتيسّر له لكي يعطي المحتاجين. حتى أنه كان يكرّس نصف راتبه دون تقصير للتوزيع على فقراء المؤمنين، والأرامل، والأيتام، والمعوزين؛ حتى وإن علم أنه قد لا يتوافر عنده ما يلزم ليقيت به نفسه أو عائلته.
كثير من المعارف - وخصوصًا سائقو سيارات التاكسي والأتوبيسات - شهدوا كيف أنهم كانوا يجدونه ماشيًا على الأقدام في ساعات متأخّرة من الليل باتجاه قريته، وصوته يرتفع بالترنيم في الوديان والجبال وبنبرة المسيرات العسكرية التي كان يتفرّد بها، بل وحتى في الترنيم أثناء الاجتماعات، كانت تُسمع منه نفس نبرة مسيرته العسكرية وهو يرنّم.
أنقذه الربّ مرارًا من هجومات متنوّعة من الشباب العاق، ومن اللصوص، ومن الرجم بالحجارة، ولم يكن يولي للموضوع أي اهتمام إذ كان مضطرًّا أحيانًا أن يمشي طوال الليل من مكان إلى آخر.
تمثّل بسيده، فكانت لديه كلّ الحماسة ولم يتوانَ أن يمشي أو يسافر مسافات طويلة حتى من أجل شخص واحد، فقط لكي يبادله بضع جمل قليلة لكي ينهضه بالتذكرة عن حقّ الإنجيل والسبيل إلى الخلاص، ثم ينطلق. وكان الناس يتهامسون عنه أينما حلّ. وكان يعتبر أن الرب هو العامل في قلوبهم لكي يشهد في نفوسهم، وأنه لا يحتاج أن يكثر من الكلام معهم.
في السنوات الأخيرة من حياته، كان يستصعب المشي لهرمه وسوء صحته، فكانت مشيته بطيئة جدًا. لم يردعه الأمر، بل كان ينتهز الفرص السانحة ليتحدّث إلى شخص ما عن كلمة الخلاص، حتى وإن صعد بناية عالية وكلّفه ذلك الكثير من الجهد والوقت، وإن كان رويدًا رويدًا، وبهدوء وسكينة؛ كل هذا من أجل أن يضع نبذة للتذكير كما كان يقول، لأن الرب سوف يستمرّ من هناك. امتاز بهذه النوعيّة من التصرّفات، وكان يضع اتّكاله التامّ على الربّ وعمله الكامل. لم يتّكل على مقدرته اللغويّة في النقاش، أو المجادلة والإقناع، بل وضع ثقته بالربّ وعمل روحه القدّوس في القلوب.
شارك أحدهم في جنازته بكلمة عن مؤهلات الخادم الناجح، فقال: “يمتاز أحيانًا خادم الرب بطلاقة لسانه وفصاحته. لكن الأخ الحبيب نوفل، لم يكن صاحب كلام ولم يمتزْ بطلاقة اللسان. وبالرغم من ذلك فقد نجح في إيصال بشارة الإنجيل إلى المئات بل الآلاف، وشرحها لهم باختصار شديد وبعمق واضح.
امتاز بعض الخدام بقلبهم الراعوي أو مقدراتهم الإدارية، إلّا أن الأخ نوفل امتاز بقلبه الأبويّ، بحنانه واهتمامه بالناس؛ لم يكن يجاملهم بل كان يوبّخ على خطيّة، ويمدح على برّ.
يمتاز بعض الخدّام بشهادتهم العلميّة ومقدراتهم الذهنيّة، بينما الأخ نوفل بالكاد كان يفقه القراءة، لكنه قرأ العديد من الكتب بإمعان واهتمام شديدَيْن؛ حتى عندما كلّت عيناه، كان يقضي جلّ وقته يقرأ الكتاب المقدّس والكتب المسيحيّة التي تتناول الحقّ الكتابي، أو كان يقرأها له أحد الزائرين ومن يعتنون به.
كان نجاحه الباهر بسبب قدميه. فلم يكن لديه عادة الاعتناء برجليه، إذ عليهما حمل رسالة الخلاص إلى كلّ مكان - أي مكان - وفي أي زمان؛ سواء كان ذلك في شبابه وصلابة قوّته، أو في شيخوخته ووهنه وضعفه. فكلّما نظرنا إلى قدميه كنّا نفتكر مباشرة بالآية “مَا أَجْمَلَ عَلَى الْجِبَالِ قَدَمَيِ الْمُبَشِّرِ، الْمُخْبِرِ بِالسَّلاَمِ، الْمُبَشِّرِ بِالْخَيْرِ، الْمُخْبِرِ بِالْخَلاَصِ” (إشعياء 7:52).
هذا هو سرّ نجاح خدمته: قلبه المثبّت نحو الربّ، وقدماه على طريق الخدمة لكي يبشّر بالخير. لقد كان مؤمنًا أمينًا يحيا من أجل سيّده بالأمانة. لم يفتكر أبدًا بحقوقه، بل حاول بكل طاقته أن يمجّد الربّ في حياته. واستمرّ بكلّ مثابرة في خدمة الربّ حتى في الأسابيع الأخيرة من أيامه.
لقد جلب الكثيرين إلى الربّ، وجلب الربّ إلى الكثيرين. وعاش من أجل الربّ.
إنها حياة شخص عاش المسيح في حياته، فعاش للمسيح، فقط للمسيح!
وهناك في الأجواء السماويّة في بيت الآب، ترفرف أجنحة الملائكة التي حملت الأخ نوفل إلى أحضان الربّ يسوع وإلى محضره البهيج.

المجموعة: تموز (يوليو) 2025

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

176 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
13031472