Voice of Preaching the Gospel

vopg

يلاحظ، من يقرأ الكتاب المقدس، أن المحبّة هي صفة الله الغالبة،

وأنها من أسمى خصائص الطبيعة الإلهيّة. وأن وعود محبة الله وغفرانه هي وعود حقيقيّة أكيدة قاطعة من دون أدنى ريب. وكما أن الإنسان لا يدرك جمال المحيطات والبحار إلّا بعد أن يراها، كذلك لا يمكن للإنسان أن يفهم محبّة الله على حقيقتها إلّا إذا اختبرها اختبارًا واقعيًّا في حياته.
أجرى بعض اللاهوتيّين المحدثين محاولات تهدف إلى سلب الله محبّته وتعاطفه الشخصي مع البشر وحنانه تجاه مخلوقاته. لكن كلمة الله ثابتة. الله محبّة، ومحبّته الفائقة للجنس البشري لا يرقى إليها شكّ. إنّها محبّة لا متغيِّرة ولا متبدّلة، ثابتة ثبات قداسته. ولولا هذه المحبّة المتفاضلة لما كان باستطاعة أحد الحصول على الحياة الأبديّة. الله محبّة ومحبّته أبديّة.
لا يستطيع الله بسبب من قداسته، أن يتغاضى عن الخطيئة أو يشجّعها. إن الله البارّ العادل لا يسامح الخطيئة، لكنه يحبّ الخاطىء. وبما أن عدالته ومحبّته تسيران جنبًا إلى جنب، ولا يمكن الانتقاص من حقّ أيٍّ منهما دبَّر غفرانًا لخطايانا بواسطة موت ابنه. إذ أن “الله بيّن محبّته لنا، لأنّه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا”. (رومية 8:5)
لما رأى الله الإنسان عاجزًا عن حفظ وصايا الناموس وأحكامه، وقد انغمس في خطاياه وشروره حتى الغرق، أرسل ابنه الوحيد يسوع المسيح ليفتدي الإنسان ويضع فيه طبيعة جديدة تحرّره من سيطرة الخطية. إن عيني حنانه كانتا تلاحقان الإنسان المتعثّر عبر التاريخ تحت ثقل بؤسه وشقائه. وموت المسيح في الجلجثة دليل ساطع على أن الله لم يغضّ الطرف عن الورطة التي يتخبّط فيها الإنسان، وأنه راغب في أن يتألّم معه. إن كلمتَي العطف والحنان لا تعنيان سوى الرغبة في المشاركة في تحمّل الألم. بهذا المعنى شارك الله البشر آلامهم: “لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد”. وأيضًا “إن الله كان في المسيح مصالحًا العالم لنفسه، غير حاسبٍ لهم خطاياهم...” (2كورنثوس 19:5)
لا تسمح أن يتسرّب إليك الشكّ من جهة محبّة الله الفائقة. ذكر النبيّ إرميا أن الله ظهر من زمن بعيد قائلًا: “محبّة أبديّة أحببتك، من أجلِ ذلك أدمت لك الرحمة” (إرميا 3:31). وعندما يتحدّث الرسول بولس عن محبّة الله يقول: “الله الذي هو غنيٌّ في الرحمة، من أجل محبّته الكثيرة التي أحبّنا بها، ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح بالنعمة أنتم مخلّصون”. (أفسس 4:2-5) إن محبّة الله هي التي أرسلت يسوع المسيح إلى الصليب.
بيد أن محبّة الله لم تبدأ في الجلجثة، بل كانت الجلجثة أسمى تعبير عنها. كانت محبّة الله من قبل أن تترنّم كواكب الصبح معًا، وقبل أن يتّشح الكون بأوّل وشاح نور، وقبل أن تظهر وريقات العشب الأخضر الطريّة على وجه اليابسة. ارجع بخيالك إلى ما قبل القرون والدهور الخوالي، قبل أن ينطق الله وتظهر الأرض الحاليّة إلى الوجود، عندما “كانت الأرض لا تزال خربة وخالية”، والظلام الصامت العميق يملأ الفضاء الخارجي ويشكّل فراغًا دامسًا بين بهاء عرش الله ونظامنا الشمسي الحالي. قبل هذه كلّها، كان قلب الله ينبض بالمحبّة من نحو البشر ويُعدّ برنامج الفداء، أو كما قال أحدهم: “إن فداء البشر بدم ابنه المصلوب كان في قلب الله منذ الأزل”.
إن المحبّة هي التي دفعت الله إلى خلق إنسانٍ على صورته ومثاله، ليسكنه في فردوس بديع الجمال؛ وإلى أن يضع في الفلك شمسًا تزوِّد الأرض بالضوء والحرارة، ويزرع الأرض بكلّ ما يحتاج إليه الإنسان.
أجل، إن الله المحبّ هو من قال للإنسان: “من جميع شجر الجنّة تأكل... أما شجرة معرفة الخير والشرّ فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتًا تموت”. (تكوين 16:2-17) حذّر الله المحبّ الإنسان من أن لا يأكل من شجرة الموت. وهذا دليل آخر على اهتمام الله بخير الإنسان، منذ أن خلقه.
إن محبّة الله هي التي تقف خلف الناموس والأحكام والوصايا الإلهيّة، وتقف أيضًا خلف كلّ قانون صالح للإنسان أخلاقيًّا كان أم مدنيًّا. لأنّ الله المحبّ هو الذي نقش في قلوب البشر، كلّ ما يؤول لخير الإنسان الشخصيّ والعام. ورأت محبّة الله الإنسان يتيه في الضلال عبر القرون، وعرفت أنه لن يستطيع أن يكون في المقام والحالة التي يريدهما الله منه، من دون عنايته تعالى، تلك العناية التي وعدت البشر بالفادي مخلِّصًا، يفكّ شعبه من رباط خطاياهم. إن محبّة الله ذكرت على فم النبيّ إشعياء هذه الكلمات المعزِّية: “كلّنا كغنمٍ ضللنا، ملنا كلُّ واحد إلى طريقه، والربّ وضع عليه إثم جميعنا”. أجل، إن المحبة هي جعلت مثل هذه المواعيد والنبوءات تتمّ بدقّة متناهية. ففي ملء الزمان، وفي نطقة معروفة محدّدة على خريطة العالم، وُلد ابن الله على هذه الأرض. وقلب هذا الابن السماوي المفعم محبةً للبشر، فاض بأعمال البرّ والإحسان وبكلمات التعزية والغفران للمحزونين من بني الإنسان. المحبة جعلته يتحمّل آلام الصليب وموته ويستهين بالعار، وهي منعته من أن يطلب اثني عشر جيشًا من الملائكة لإنقاذه من الموت، وجعلته يدعو لمن صلبوه: “يا أبتاه، اغفر لهم، لأنّهم لا يعلمون ماذا يفعلون”.
إن قصّة الكون من بدئه إلى نهايته، من سفر التكوين إلى سفر الرؤيا، من سقوط الإنسان في الجنّة إلى عودته إلى حضن الله في نهاية الزمان، تتلخّص في الآية التي وردت في إنجيل يوحنا: “لأنّه هكذا أحبّ الله العالم حتى بذل الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية”. (يوحنا 16:3)
لقد أساء البشر فَهْمَ صفة المحبّة في طبيعة الله. ظنّوا أن العبارة “الله محبّة” تعني أن الحياة ستكون على ما يرام، من دون مشاكل أو صعوبات أو آلام. حتى أن بعضهم قال إن لا مكان لدينونة الخطيّة ما دام الله محبّة. غير أن الكتاب المقدس يعلِّم أن قداسة الله توجب إدانة الخطيّة، ومحبّته رتَّبت فداء الخطاة وغفران الخطيئة.
من يستطيع أن يقيس محبّة الله أو يصفها؟ إن الكتاب المقدس بكل أسفاره، هو إعلان لهذه الحقيقة. لذلك نحن عندما نعظ من الكتاب المقدس عن العدالة نعظ عن العدالة التي تلطفها المحبّة. وعندما نعظ عن البرّ، نعظ عن البرّ المؤسّس على المحبّة، وهكذا بالنسبة إلى الفداء الذي رتّبته وتمّمته المحبّة. عندما نعظ عن القيامة، نعظ عن أعجوبة المحبّة، وعندما نعظ عن مجيء المسيح ثانية فإننا نعظ عن اكتمال المحبّة.
لا يهمّ عدد الخطايا التي ارتكبتها، أو بشاعة سلوكك في الماضي. قد تكون
عند حافة الجحيم، لكن الله يحبّك ويشدّك إليه برُبُط محبّته. إن قداسته تشمئزّ من خطاياك وتكرهها، غير أن محبّته، تحيط بك وتسعى في خلاصك.
من البديهي القول إن محبّة الله لا تفرض نفسها على الإنسان، ولا تلزمه إلزامًا بقبول المسيح واتّباعه. لكن هذه المحبّة عينها ستغمر حياتك بالسعادة والسلام، فقط إن قبلتها من يد الله بالإيمان، وكرّست حياتك للمسيح تكريسًا كاملًا. ها المحبة تقرع باب قلبك تبغي الدخول، فافتح لها ورحِّب بها. قل: “أهلًا بك، أيها المسيح الحيّ، ادخل قلبي وحياتي واملأني بمحبّتك”.
إن الله الآن، كما عند فجر الخليقة، يتوق إلى رفقة الإنسان والشركة معه، ويحنّ اشتياقًا إلى مصاحبة الذين مات ابنه من أجلهم. فهل تبادل الله حنينه وتبدأ في السير معه منذ هذه اللحظة مردّدًا ما قاله الشاعر:
لو صار حِبْرًا كُـلُّ يمّ   وورقًا كلُّ الفلك
وكلّ نبتةٍ قلمْ          والكلُّ بالوصف اشترك
ما كتبوا ما وصفوا     محبة الحبيب
فاقت سمت فاضت طمت مقدارها عجيب

 

 

المجموعة: تموز (يوليو) 2025

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

187 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
13031481