قامت الدنيا ولم تقعد بعد... منذ طيّرت الأخبار نبأ جنون البقر بإنجلترا... وانقسم الناس
بين الذين راحوا يتساءلون باندهاش... وهل البقر يُصاب بالجنون؟ وبين الآخرين الذين أصابهم الذعر، خشية أن تتسرّب لحوم الأبقار المجنونة إلى موائدهم، فيصابون بالمرض اللعين.
واهتزّت أسواق... وتأثّرت اقتصاديّات... وتوتّرت علاقات دوليّة، بسبب هذه الظاهرة المؤسفة. وخصوصًا عندما جاءت الأخبار تقول إن المرض امتدّ إلى خراف وأغنام بريطانيا أيضًا.
بيد أن الناس للأسف وهم يتناقلون هذه الأخبار، متندّرين ومندهشين، ومتسائلين عن أسباب هذه الظاهرة الغريبة، لم يشغلوا أنفسهم، ولم تهتزّ صحافتهم، ولم يرتجف إعلامهم لما هو أفظع وأفجع... وأعني به “جنون البشر”!
فهل كان من المنطق، أن يقلقنا جنون البقر، ولا يزلزل تفكيرنا الجنون الذي أصاب البشر، خلال السنوات الأخيرة من القرن الماضي؟!
لطالما تفكّرت في ماذا يكون الحال، لو أن الذين ماتوا في الخمسينات، عادوا مرة أخرى إلى الحياة، ثم فتحوا عيونهم ليقرأوا صفحات الحوادث في صحائف هذه الأيام. ثم فتحوا آذانهم ليستقبلوا أنباء الفواحش التي صارت تُرتَكَب على اتساع العالم... وهي أنباء تقشعرّ لها الأبدان، ويشيب لها الولدان... سواء كان هذا على المستوى الديني أم الدنيوي.
ماذا يكون الحال حين تطالعهم أخبار الاغتصاب التي انقلب فيها الناس إلى وحوش وذئاب، وكأنهم خارجون لتوِّهم من أعماق الغاب!
أو عقوق الأبناء، ومفاسد الرجال والنساء، وانعدام الأمانة والوفاء، واستشراء البغضاء، والعداء.
وعلى المستوى الدّيني، من كان يسمع أو حتى يتخيّل أن يأتي زمان فيه يتمّ القتل باسم الدِّين، والسرقة باسم الدِّين، والنهب والسلب لحساب الدِّين، والاتّجار في المحرّمات تحت عباءة الدِّين! بينما الدِّين الحقيقيّ من كلّ هذا براء... براء!
بل من كان يسمع، أو حتى يتخيّل، أن معابد تُقام للشيطان، لها طقوس وعباد وكهان.. وتُمارَس فيها الرذائل من كلِّ نوع ولون!
وعلى المستوى الاجتماعي... من كان يسمع أو حتى يتخيّل أن يجيء زمان، فيه يعقد قران رجل على رجل، أو أن تشجّع تشريعات على وجود أمّهات بغير زواج. أو تقرّ حكومات جرائم الشذوذ الجنسيّ، أو أن تعرض الساقطات أجسادهنّ العارية على صفحات المجلات. وتملأ إعلانات البغايا عشرات البرامج والنشرات!
من كان يسمع، أو حتى يتصوّر، أن فضائح الخيانات الزوجيّة، وتفكّك الروابط الأسريّة، وكلّ ما يصاحب ذلك من إثم وفجور، يجد طريقه إلى أعرق العائلات وأبناء القصور!
فهل كان ممكنًا أن يحدث كلّ هذا بين البشر، ثم نندهش بعد ذلك حين يجنّ البقر.. أو تنفجر الشمس، وينشقّ القمر! ناسين أو متناسين أن عقاب الله للأشرار بالمرصاد. وإنه يقعد للفجّار كلّ مقعد؟!
وأنه لا سبيل لتفادي ويلاته، واستمطار مراحمه وبركاته، إلّا بالرجوع إليه، والارتماء بين يديه.
“فيغار الرب لأرضه ويرِقُّ لشعبه. ويجيب الرب ويقول لشعبه: [هأنذا مُرسِلٌ لكم قمحًا ومسطارًا وزيتًا لتشبعوا منها، ولا أجعلكم أيضًا عارًا بين الأمم. والشمالي (الجراد) أُبعده عنكم، وأطرده إلى أرض ناشفة ومقفرة... لا تخافي يا بهائم الصحراء، فإن مراعي البرية تنبت، لأنّ الأشجار تحمل ثمرها، التينة والكرمة تعطيان قوّتهما... وأعوّض لكم عن السنين التي أكلها الجراد، الغوغاء والطيّار والقمَص، جيشِي العظيم الذي أرسلته عليكم. فتأكلون أكلًا وتشبعون، وتسبحون اسم الرب إلهكم...” (يوئيل 18:2-26). ذلكم هو كلام الربّ، وكلام الربّ هو ربّ الكلام. ومن له أذنان للسمع فليسمع.